الحسين عليه السلام وبث روح الإيمان والحق في الأمة
بقلم: السيد أبو القاسم الديباجي
لقد تركت واقعة كربلاء من المعاني في نفوس المطلعين على وقائعها أثراً عميقاً لعلها أضحت أكثر شيوعا وتغطية وتأثيراً على نفوس المسلمين، بل لم تكن حكرا على المسلمين فقط، فقد طالعتنا الروايات التاريخية عن مدى تأثر غير المسلمين من الأديان السماوية الأخرى بل حتى من أصحاب الديانات الوثنية بهذه الثورة العظيمة، وهذه الواقعة التي تمر علينا بوقائعها العظيمة بفكرها ومنهجها الذي أرساه سبط رسول الله بمعية صحبه الذين قال عنهم « كنتم خير الاصحاب» ولم يكن قولنا هذا عن صحبه دون أهله تجاهلا ولكن لأن الحسين هو الرئة التي كان يتنفس بها أهل بيت النبوة فإن التعريف بالشيء بعد استشهاده وشيوعه إخلال وتكرار لا ينفع ولا يغني ولأن الامر كذلك فقد وجدنا أنفسنا أمام أمر لابد لنا ونحن على بعد مئات السنين من تلك الواقعة أن نخوض ونسبر غوره.
لقد أراد الإمام الحسين (ع) أن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، فأراد الإمام الحسين (ع) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت فلسفة الامام (ع) في ثورته هي الشهادة في سبيل المبدأ والعقيدة وهي في الوقت نفسه جاءت لتعيد للإنسان المقهور كرامته المهدورة وبذلك فقد احتلت الذروة في ذاكرة التاريخ وعقول الاجيال وأصبحت مثالاً للتضحية والفداء لمصداقيتها وشرعيتها يقول عباس محمود العقاد في كتابه أبو الشهداء ص229: «مثل - أي الحسين (ع) - للناس في حلة من النور تخشع لها الابصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الانسان، غير مستثنى منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم أُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين » .
وعندما نقف عند قول الله سبحانه وتعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» ندرك مباشرة أنه من الممكن للموت أن يتحرك في خط الحياة، ويمكن للحرمان أيضاً أن يتحرك ويسير في خط الرزق والاكتفاء؛ فالموت أحياناً ليس نهاية الحياة، بلهو وجه آخر من وجوه الحياة.
إن هذه الفكرة عن فلسفة الموت، هي التي دفعت المفكر الفرنسي «روجيه غارودي» للقول: «إن نموذج هذا الشهيد جسده لدى المسلمين استشهاد الحسين حفيد النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد في معركة كربلاء في عام 680م. إن للشهيد هنا معنى آخر غير الهزيمة أو الموت لأنه شاهد باسم الحق والإيمان، إنه فينفسه مساهمة في نصر هذا الحق وهذا الإيمان« .
وبما أن أحد وجوه نهضة الحسين (ع) وشهادته هي أنها ثورة الإيمان من أجل الإنسان، فالشيء الملفت الذي يخدم هذه الفكرة، هو طبيعة الأشخاص المرافقين للإمام الحسين في مسيرته ؛ فقد اجتمعت كل مراحل العمر وكل الألوان وكل الطبقات الاجتماعية في جيش الإمام الحسين الذي بلغ عدده سبعين ونيفا فقط مقابل الآلاف من جيش العدو، حتى لكأن الله سبحانه شاء أن يجعل من جيش الحسين رمزاً للإنسان بعُمره ولونه وقوميته، ليقول له بعد ذلك إن الإسلام فوق كل هذه الحواجز. وما ثورة الحسين إلا من أجل إزالة هذه الحواجز والحدود؛ فللصغير دور، وللكبير دور، وللرجل دوره أيضاً، وللمرأة دورها الذي لا يقل شأناً عن بقية الأدوار أبداً. وهذا يعني أن هناك تكاملاً في الأدوار والمهمات من أجل الحفاظ على دين النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وعندما وقف (جون بن حويّ النّوبي) المعروف بـ (جون مولى أبي ذر) وهو عبد أسود اللون، أمام الإمام الحسين(ع) يستأذنه في القتال، لم يقلله الإمام الحسين: اذهب فلا حاجة لنا بك، ولا بلونك الأسود أيها العبد، بل أعطاه الإمام الحسين الإذن بالقتال، فلم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلاً قبل أن يُقتل، فلما قتل وقف الإمام الحسين(ع) ونظر إليه وقال: « اللهم بيّض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد صلى الله عليه وسلم وعرّف بينه وبين آل محمد صلى الله عليه وسلم». فكان من يمر بالمعركة يشّم منه رائحة طيبة أذكى من المسك.
وهكذا، فإن لون الإنسان يسقط أمام الحركة الحسينية مثلما تسقط جنسيته ولغته وجنسه وعمره لأن الجميع وحَّدوا دماءهم من أجل وحدة هدفهم الذي رسمه لهم الإمام الحسين، ألا وهو إبقاء كلمة « الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله» حية بكل أبعادها في قلوب المؤمنين لتسمعها الأجيال القادمة وهي تشق عنان السماء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها و توحيد كلمة جميع المسلمين بلا فرق او تمييز تحت كلمة التوحيد العظيمة.
ورسالة أخرى مهمة أرادها الامام الحسين (ع) في نهضته وثورته هي حب الوطن، إذ قال الامام (ع) : وأسير بسيرة جدي، فمن سيرة جده رسول الله (ص) أنه بالإضافة الى اهتمامه بالدين كان يهتم بمسألة حب الوطن أيضاً حيث عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج من مكة والهجرة الى المدينة ودّعها وتأثر لفراقها وذرفت الدموع من عيناه وقال لها انه سيعود وسيرجع اليها.
وهذا يبين مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بحب الوطن، والحسين (ع) بقيامه وثورته يدعو الناس الى الوحدة الوطنية وحب الوطن والدفاع عنه وحفظ قوانينه وعدم اثارة الفتن لأن حب الوطن من حب الله عزّ وجلّ والذي يقتل في سبيل الدفاع عن وطنه يعتبر شهيدا.
لذا من الواجب علينا ومن أوجب الواجبات حب الوطن والدفاع عنه وعدم الانجراف وراء الفتن والمؤامرات التي تحاك لتمزيق الوحدة الوطنية وتشتيتها و يجب ان نتمسك بتلك الوحدة الوطنية و الدينية ونقويها ونبتعد عن النزاعات والنعرات الطائفية والقبلية من اجل مصلحة الوطن وإعلاء كلمة الدين.