نبذة مختصرة عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله               ولادة الرسول الأكرم ومنطلقات الوحدة الإسلامية               النبوة لطف               التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
183169
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات أخلاقية
 
 
كلّا إنّها كلمة هو قائلها
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2020/09/22 - [المشاهدات : 3882]
 

 كلّا إنّها كلمة هو قائلها (*)

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1).

تتحدث هذه الآيات عن حالة من اليقظة تحصل لصنف من العصاة الذين فرّطوا في حقوق الله سبحانه وتعالى من كفّار ومشركين ومنافقين وغيرهم، واستمرّوا على ذلك حتّى نزل بهم الموت، فأدركوا - حين زالت عن بصائرهم أستار الغفلة ورءوا ذنوبهم شاخصة أمامهم ومتجسّمة في صورها القبيحة المرعبة - خطأهم، وشعروا بقبح ما كانوا عليه من عقيدة أو عمل، وثقل ما حملوه من آثام ومعاصي، فيطلبون الرّجعة إلى الدّنيا ليصلحوا ما أفسدوه في حياتهم، ولأنّ القانون الإلهي العادل لا يسمح بهذه الرّجعة فيأتي النداء بكلمة ردع وزجر وهي كلا، {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} فلا يجابون إلى طلبهم لأنّه قول لم يخرج من أعماق نفوسهم، ولا عن قناعة وإرادة منهم، وإنّما هو من قبيل العبارات التي يطلقها المجرم ظنًّا منه أنّها تخلّصه من قبضة العدالة، إذْ لا فائدة من الرّجعة، فلو أنّه سبحانه وتعالى أرجعهم إلى الدّنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه، ولما عملوا عملًا صالحًا، قال تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (2).

لقد علموا في تلك اللحظة - لحظة نزول الموت بهم - بأنّهم لا محالة سيفارقون الدّنيا وجميع ما ارتبطوا به فيها من جاه ومنصب وأولاد وزوجة وغيرها من الشّهوات والعلائق والرّوابط الدنيوية. ولأنّه انكشف لهم بعض ما كان محجوبًا عنهم فرءوا شيئًا مما ينتظرهم من العذاب والعقاب الإلهي بسبب ما ارتكبوه من معاصي واقترفوه من مخالفات شرعيّة لذلك يطلبون العودة والرّجعة.

والدّرس الذي يستفاد من هذه الآية الكريمة هو: أنّ أمام الإنسان - وهو لا زال على قيد الحياة - فرصة لإصلاح عقائده وأعماله، والتوبة من ذنوبه وأخطائه، لأنّه إنْ حلّ به الموت فلن يؤخر للحظة، ولن يسمح له بالعودة والرّجوع إلى الدّنيا.

ومما ينقل من قصص بعض المؤمنين من الذين يروّضون أنفسهم للسّلوك بها دائمًا في خط الاستقامة والطاعة لله سبحانه وتعالى، أنّه حفر قبرًا في بيته، فإذا أحسّ بأنّ غفلة انتابته أو بقساوة في قلبه كان يدخل إلى ذلك القبر وينام فيه ساعات ثم يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}، ويكرر قوله تعالى هذا مرات ومرات، ثم بعدها يخاطب نفسه قائلًا: يا عبد الله قد رجعناك فاعمل العمل الصّالح.

نعم ليعيش الإنسان حالة التنبه والاستيقاظ من الغفلة قبل الموت، إذْ لا فائدة من تنبهه منها عنده أو بعده، فالغفلة التي كان عليها أهل النار في هذه الحياة الدنيا هي سبب دخولهم إلى النّار والعذاب فيها، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (3).

 وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (4).

إنّ عدم التفات العبد إلى خالقه وما يريده منه، ونسيانه الآخرة من خلال انهماكه في التمتع بشهوات الدّنيا وملذاتها، والرّكون إلى الدّنيا وكأنّها دار خلود وقرار هو سبب شقائه في عوالم الآخرة، فعليه أنْ يتنبه إلى أنّ الدّنيا دار فناء وزوال، وأنّ كل ما فيها من متع وشهوات وملذات إنمّا هو محدود وزائل، وأنّ الآخرة هي دار الخلود والبقاء، وكل ما فيها من خيرات ونعيم وملذات باق لا يعتريه التّحول والزّوال. فما دام الإنسان على قيد الحياة فالفرصة أمامه متاحة لكي يصلح من وضعه مع الله سبحانه وتعالى، بأنْ يعود - قبل أنْ يدركه الموت - إلى خط الطاعة له سبحانه بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، بترك الذّنوب والمخالفات الشّرعية، ويستغفره تعالى ويتوب إليه مما وقع منه منها، ويستحلل من الناس ويرجع إليهم حقوقهم فيما إذا كانت الذّنوب التي مارسها مما هو اعتداء على الناس ماديًا أو معنويًّا.

ثم تقول الآية الكريمة: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، والمراد بالبرزخ هنا هو ذلك العالم الواقع بين عالم الدّنيا وعالم القيامة، فالفترة التي يعيشها الإنسان من يوم وفاته وإلى يوم أنْ يبعث للحساب تسمّى بالبرزخ، فعن عمرو بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: إنّي سمعتك وأنت تقول: كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟ قال: صدقتك كلّهم والله في الجنة، قال: قلت: جعلت فداك إنّ الذّنوب كثيرة كبار؟ فقال: أمّا في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي، ولكنّي والله أتخوّف عليكم في البرزخ. قلت: وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة» (5).

وروى الزّهري أنّ الإمام علي بن الحسين «عليه السلام» تلا قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} فقال: «هو القبر وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكًا، والله إنّ القبر لروضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار» (6).

فيتّضح من ذلك أنّ القبر كما أنّه يطلق على تلك الحفرة التي يدفن فيها جسد الإنسان بعد الموت، فهو يطلق أيضًا على تلك الفترة التي يعيش فيها الإنسان ببدنه البرزخي من ساعة الموت وإلى يوم البعث والنّشور، فالإنسان بالموت ينتقل من عالم الدّنيا إلى عالم البرزخ، وهو لأهل الإيمان والطّاعة لله والخير والصّلاح عالم نوراني، تكون حياتهم فيه حياة أنس وسعادة وتنعّم بما أعدّه الله سبحانه وتعالى لهم من نعيم في هذا العالم، ولأهل الكفر والشّرك والنّفاق وغيرهم من العصاة والمذنبين ومرتكبي الكبائر والجرائم والفحشاء والمنكرات عالم ظلمة يعيشون فيه الألم والعذاب والضّنك والضّيق، فعن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عن أرواح المؤمنين فقال: في حجرات في الجنّة  يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون: ربّنا أقم لنا الساعة وأنجز لنا ما وعدتنا والحق آخرنا بأولنا».

وعنه أيضًا قال: «سألته عن أرواح المشركين فقال في النّار يعذبون ويقولون: ربّنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا» (7).

والأمر بيد الإنسان فهو من يحدد ويختار كيف تكون حياته في عالم البرزخ، هل يريدها أنْ تكون حياة هناء ونعيم وسعادة أم حياة ألم وعذاب وشقاء؟ هل يريد أنْ يأنس من أعماله أم يتأذّى منها؟ فكل ما يعمله الإنسان من عمل في هذه الحياة الدّنيا سيجده بعد موته حاضرًا أمامه متجسّمًا في صور يأنس بها إنْ كان صالحًا، ويتأذّى منها إنْ كان سيّئًا، قال النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» في ضمن وصيّة وجهها لقيس بن عاصم: «لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميّت، فإنْ كان كريمًا أكرمك، وإنْ كان لئيمًا أسلمك، ثم لا يحشر إلاّ معك ولا تبعث إلاّ معه، ولا تسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحًا فإنّه إنْ صلح آنست به، وإنْ فسد لا تستوحش إلاّ منه، وهو فعلك» (8).

وعن الإمام الصّادق «عليه السلام» قال: «ما من موضع قبر إلاّ وهو ينطق كل يوم ثلاث مرّات: أنا بيت التّراب، أنا بيت البلاء، أنا بيت الدّود، قال: فإذا دخله عبدٌ مؤمنٌ قال: مرحبًا وأهلًا أما والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري، فكيف إذا دخلت بطني فسترى ذلك، قال: فيفسح له مدّ البصر ويفتح له باب يرى مقعده من الجنّة، قال: ويخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئًا قط أحسن منه فيقول: يا عبد الله ما رأيت شيئًا قط أحسن منك فيقول: أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه، وعملك الصّالح الذي كنت تعمله...» إلى أنْ قال: «وإذا دخل الكافر قال: لا مرحبًا بك ولا أهلًا أما والله لقد كنت أبغضك وأنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطني سترى ذلك، قال: فتضم عليه فتجعله رميمًا ويعاد كما كان، ويفتح له باب إلى النّار فيرى مقعده من النّار، ثم قال: ثم إنّه يخرج منه رجل أقبح من رأى قط، قال: فيقول: يا عبد الله من أنت؟ ما رأيت شيئًا أقبح منك، قال: فيقول: أنا عملك السّيئ الذي كنت تعمله ورأيك الخبيث ...» (9).

وعن أحدهما - الإمام الباقر أو الإمام الصّادق «عليهما السلام» - قال: «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة هي أحسنهن وجهًا، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحًا، وأنظفهن صورة. قال: فيقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجليه، ويقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإنْ أتي عن يمينه، منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أنْ يؤتى من الجهات السّت، قال: فتقول أحسنهن صورة: من أنتم جزاكم الله عني خيرًا؟  فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصّلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزّكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصّيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا برّ من وصلت من إخوانك، ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجهًا، وأطيبنا ريحًا، وأبهانا هيئة، فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم» (10).

وهذه الرّوايات الثلاث صريحة في دلالتها على تجسّم أعمال العباد بعد الموت، وأنّ سعادة العبد وشقاءه في عالم ما بعد عالم الدّنيا مرهون بأعماله التي عملها في الحياة الدّنيا، فلا سعادة هناك بدون اعتقاد وعمل صالح، ولا شقاء معهما، فموجب الشّقاء هي الاعتقادات الباطلة والأعمال السيّئة، فتلك العقارب والحيّات والنّيران التي ورد في بعض الرّوايات أنّها تسلّط على العبد في قبره وتظهر له في عوالم الآخرة هي بعينها عقائده الباطلة وأعماله القبيحة وأخلاقه الذّميمة ظهرت له في هذه العوالم بهذه الصّور، وكذلك ما يحبى به العبد من الرّوح والرّيحان والثّمار  وما يحصل عليه من أنواع النّعيم فإنّها تلك الاعتقادات الحقّة التي كان عليها والأعمال الصّالحة والأخلاق الحسنة الحميدة التي مارسها في الحياة الدّنيا برزت في هذه العوالم بهذا الزّي وتسمّت بهذا الاسم.

___________________________

(*) المصدر كتاب "محاضرات في الدّين والحياة ج 2" للشيخ حسن عبد الله العجمي.

(1) المؤمنون: 99 - 100.

(2) الأنعام: 28.

(3) لأعراف: 179.

(4) يونس: 7.

(5) الكليني، الكافي 3/242.

(6) الصّدوق، الخصال، صفحة 120.

(7) الحسين بن سعيد الكوفي، الزّهد، صفحة 89.

(8) لصّدوق، الخصال، صفحة 115.

(9) الكليني، الكافي 3/242.

(10) البرقي، المحاسن 1/288.

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع مكتب آية الله العظمى السيد الشبيري الزنجاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.