الأئمة الإثنا عشر من عترة النبي (*)
عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي «صلى الله عليه وآله»، يقول: يكون اثنا عشر أميرًا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلهم من قريش» (1).
كما أنّ الشيعة الإمامية الإثني عشرية يعتقدون بأنّ منصب الإمامة منصب إلهي، وأنّ من يشغل هذا المنصب من النّاس لا بدّ وأنْ يكون منصوصًا عليه ومعيّنًا من قبل الله سبحانه وتعالى، فكذلك يعتقدون أيضًا أنّ الله سبحانه وتعالى نصّ على خلفاء نبيّه الأكرم محمد «صلى الله عليه وآله» وحددهم بعددهم وأسمائهم، وأنّهم إثنا عشر إمامًا من عترة النبي «صلى الله عليه وآله»، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، ثم من بعده ابنه الإمام الحسن بن علي المجتبى «عليه السلام»، ثم من بعده أخوه الإمام الحسين بن علي الشهيد «عليه السلام»، ثم ابنه الإمام علي بن الحسين «زين العابدين»، ثم من بعده ابنه الإمام محمد بن علي الملقب بالباقر «عليه السلام»، ثم من بعده ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق «عليه السلام»، ثم ابنه الإمام موسى بن جعفر الكاظم «عليه السلام»، ثم ابنه علي بن موسى الرّضا «عليه السلام»، ثم ابنه محمد بن علي الجواد «عليه السلام»، ثم من بعده ابنه الإمام علي بن محمد الهادي «عليه السلام»، ومن بعده ابنه الإمام الحسن بن علي العسكري «عليه السلام»، ومن بعده ابنه الإمام محمد المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، هؤلاء هم قادة الأمّة وخلفاء النبي محمد «صلى الله عليه وآله»، ومن لهم الولاية على الأمّة الإسلامية وهم أئمتها من بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى يوم القيامة.
والرّوايات الدّالة على كونهم إثني عشر إمامًا كثيرة جدًّا بلغت حدّ التواتر عند الشيعة إلاّ أنّ رواية ذلك لم تنحصر بالشيعة فقط، فهي مرويّة أيضًا من طرق أهل السّنة، وبعض طرقها صحيحة عندهم، بل هي مروية في صحاحهم كصحيحي البخاري ومسلم. ومن الرّوايات الواردة من طرق أهل السنّة ما رواه أحمد بن حنبل إمام الحنابلة في مسنده بسنده عن مسروق قال: «كنا جلوسًا عند عبد الله بن مسعود وهو يُقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: كم يَمْلِكُ هذه الأمة من خليفة؟، فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل» (2).
هذه الرّواية حكم عليها محقق كتاب المسند الشيخ أحمد محمد شاكر بأنّها صحيحة، فقال: «إسناده صحيح».
ومنها ما رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه عن جابر ابن سمرة أنّه قال: «دخلت مع أبي على النبي «صلى الله عليه وآله»، فسمعته يقول: إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش» (3).
ومنها ما رواه الطبراني في معجميه «المعجم الكبير والمعجم الأوسط» عن جابر بن سمرة أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيّمًا، لا يضرهم من خذلهم، وهمس رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكلمة لم أسمعها، فقلت لأبي: ما الكلمة التي همس بها رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟، فقال: كلهم من قريش» (4).
فهذه النّصوص الثلاثة تدل جميعها على أمرين:
الأوّل: أنّ عدد الأئمة وخلفاء النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» والقائمين مقامه على أمته من بعده هم إثنا عشر إمامًا وخليفة.
الثاني: أنّ إمامتهم تمتدّ من بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى قيام الساعة، فما دامت أمّة الإسلام موجودة فإنّه لا بدّ من وجود واحد من هؤلاء الإثني عشر يكون القائم بأمور النّاس في شؤونهم الدينية والدنيوية، فلا يوجد زمان تكون فيه الأمّة موجودة ولا يوجد واحد منهم، فالسائل الذي سأل الصحابي عبد الله بن مسعود عن عدد الخلفاء لم يسأله عن عددهم في زمان محدّد من وجود الأمة وإنّما سأله عن عددهم في مدّة وجودها، فقال: «سألتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» كم تملك هذه الأمة من خليفة؟» الذي يدل على أنّه سأله عن عددهم في كل زمان وجودها من بعد النبي «صلى الله عليه وآله» وإلى قيام الساعة.
وكذلك نص رواية جابر بن سمرة التي أخرجها مسلم في صحيحه فكما أنّها تدل على أنّ عدد الأئمة إثنا عشر فهي تدل أيضًا على أنّ مدّة إمامتهم تمتد إلى قيام الساعة في كل زمان كان فيه دين الإسلام موجودًا، وكذلك قوله «صلى الله عليه وآله»: «يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيّمًا» صريح غاية الصراحة في الدلالة على هذا المعنى، فقيّم القوم هو من يقوم بشأنهم ويسوس أمرهم.
وأمّا أنّ هؤلاء الإثنا عشر هم من عترة النبي «صلى الله عليه وآله» فقد دلّت عليه أدلّة عديدة، منها الحديث المعروف بحديث الثقلين، وهو قول النبي «صلى الله عليه وآله»: «أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (5).
وفي لفظ آخر للحديث أنّه «صلى الله عليه وآله» قال: «إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (6).
وفي لفظ ثالث قال «صلى الله عليه وآله»: «كأنّي دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض» (7).
هذا الحديث الشريف رواه عن النبي «صلى الله عليه وآله» أكثر من عشرين صحابيًّا، فهو ليس بحديث صحيح فقط وإنّما هو متواتر أيضًا، قاله النبي «صلى الله عليه وآله» في مواطن عديدة، قال ابن حجر: «ثم اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك (8) طرقًا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيًّا» (9).
وقال أيضًا: «وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنّه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنّه قاله لما قام خطيبًا بعد انصرافه من الطائف كما مر، ولا تنافي إذْ لا مانع من أنّه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتمامًا بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة» (10).
وحديث الثقلين هذا مع تعدد ألفاظه فإنّ جميعها تدل على لزوم التمسّك بالكتاب المجيد وعترة النبي «صلى الله عليه وآله»، وإذا علمنا أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» لم يوجه الأمّة إلى التّمسّك بأحد مع القرآن الكريم غير عترته علمنا أنّ الأئمة والخلفاء الذين أشار إليهم في الحديث السابق -أعني حديث الإثني عشر- هم من عترته، فمن غير المعقول أنْ يخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بعدد خلفائه والأئمة من بعده ثم لا يعينهم ويخبر عن أشخاصهم وأسمائهم أو يأمر بالتّمسك بغيرهم.
وقطعًا لم يرد النبي «صلى الله عليه وآله» من قوله «وعترتي» أو «وأهل بيتي» كلّ أقربائه، وإنّما أراد منهم جماعة خاصة فقط، وهم الأئمة الإثنا عشر من عترته وأهل بيته، بل إنّ مصطلح العترة وأهل البيت في حديث الثقلين مصطلح خاص يراد به فقط هؤلاء الإثنا عشر إمامًا، يؤيّد ذلك ويؤكّده الرّواية المروية من طرق الشيعة والتي رواها العلامة الصّدوق «رحمه الله» بسند صحيح عن الإمام جعفر بن محمد الصادق «عليه السلام» عن أبيه الإمام محمد بن علي الباقر «عليه السلام»، عن أبيه الإمام علي بن الحسين زين العابدين «عليه السلام»، عن أبيه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب «عليهما السلام» أنّه قال: «سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن معنى قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي» من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» حوضة» (11).
والرّواية التي أخرجها العلامة الصّفار «رحمه الله» في كتابه بصائر الدّرجات بسند صحيح عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنّه قال: «قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنّي تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي» ثم قال الإمام الصادق «عليه السلام»: «فنحن أهل بيته» (12).
ومن الرّوايات المؤيّدة والمؤكّدة لما حققناه من كون الأئمة الإثني عشر من أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» وعترته ما رواه العلامة الصّدوق عن الإمام الصّادق «عليه السلام» عن آبائه «عليهم السلام» عن الإمام علي «عليه السلام» قال: «الأئمة اثنا عشر من أهل بيتي، أعطاهم الله تعالى فهمي وعلمي وحكمي، وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، مالهم لا أنالهم الله شفاعتي» (13).
وما رواه غير واحد من علماء أهل السنة وهو بمعنى الحديث السابق عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من سرّه أنْ يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليًّا من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهمًا وعلمًا، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي» (14).
___________________
(*) المصدر كتاب "محاضرات في الدّين والحياة ج1" للشيخ حسن عبد الله العجمي.
(1) محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري 9/81.
(2) أحمد بن حنبل، مسند أحمد 4/28، رواية رقم: 3781.
(3) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم 3/1452، رواية رقم: 1821.
(4) الطبراني، المعجم الأوسط 3/201، رواية رقم: 2922، المعجم الكبير 2/196، رواية رقم: 1794.
(5) أبو عيسى الترمذي، سنن الترمذي 6/131، رواية رقم: 3786.
(6) الفسوي، المعرفة والتاريخ 1/536.
(7) الطحاوي، شرح مشكل الآثار 9/18، رواية رقم: 1765، وقال: «فهذا الحديث صحيح الإسناد لا طعن لأحد في أحد من رواته».
(8) أي بالقرآن الكريم وعترة النبي «صلى الله عليه وآله».
(9) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة 1/440.
(10) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة 1/440.
(11) الصّدوق، كمال الدّين وتمام النّعمة، صفحة 240.
(12) الصّفار، بصائر الدّرجات، صفحة 434.
(13) الصّدوق، كمال الدّين وتمام النّعمة، صفحة 281.
(14) أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء 1/86، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 42/240، المتقي الهندي، كنز العمال 12/103، رواية رقم: 34198.