نبذة مختصرة عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله               ولادة الرسول الأكرم ومنطلقات الوحدة الإسلامية               النبوة لطف               التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
184635
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات قرآنية
 
 
الحياة الطيبة
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2018/03/29 - [المشاهدات : 1583]
 

 

الحياة الطيبة (*)

{من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة، ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (1).

يهتم القرآن الكريم بقضية العمل الصالح وضرورته في حياة الإنسان المؤمن اهتمامًا بالغًا يظهر من تكرر ذكر هذه القضية فيه، وفي هذا التكرر لأصل ذكر القضية بيانٌ لجوانب شتى وأبعاد متنوعة منها. هذه الآية الكريمة واحدة من تلكم الآيات المتعرضة لهذا الموضوع المهم، وفيها جوانب جديرة بالتأمل والتدبر.

تبتدئ الآية بأداة الشرط "مَنْ" لتبيّن أنّها بصدد الحديث عن الجزاء الذي ينتظره الإنسان الذي يعمل الأعمال الصالحة؛ لأنّ الله تعالى لا يضيّع أعمال الذين آمنوا، من دون فرق بين أن يكون هذا الإنسان ذكرًا أو أنثى؛ ذلك أنّ الإسلام يساوي بين الجنسين في أصل المسؤولية وتحمّل الجزاء، فإنسانية المرأة لا تقلّ عن إنسانية الرجل بأية درجة من الدرجات مهما ضؤلت، وإن تفاوتت بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بكل منهما نظرًا لتفاوتهما في بنيتيهما وقابلياتهما واستعدادهما التكويني الطبيعي.

وتصرّح الآية الشريفة بأنّ قبول الأعمال الصالحة وترتّب الجزاء المنتظر عليها إنما هو مشروط بالإيمان، أي أن يكون الآتي بتلكم الأعمال مؤمنًا بالله سبحانه وتوحيده، وبكل ما ذكرته الآية المباركة الآتية: {آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرّق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير} (2). وهذا الشرط من الضروري توافره؛ لأنّ غيابه يجعل العمل حابطًا غير مقبول: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} (3).

وإذا توجهنا، بعد هذا، تلقاء جزاء الشرط {فلنحيينه حياة طيبة}، وجدنا المفسرين يختلفون فيما بينهم في أنّ هذا الوعد الإلهي بالحياة الطيبة أبالآخرة يرتبط أم بالبرزخ في القبر أم بالحياة الدنيا؟ والصحيح هو القول الأخير، بقرينة المقابلة مع ما في خاتمة الآية: {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، فمن الواضح أنّ هذه الخاتمة تتعلق بالآخرة؛ لذا يكون من المناسب أن يكون ما يقابلها {فلنحيينه حياة طيبة} مرتبطًا بالدنيا.

ثم إننا، بعد هذا، سنجد المفسرين يذكرون تفسيرات عدة للمراد من كون الحياة الدنيا "طيبة"، فذكروا أنّ هذا يكون بالرزق الحلال، وبالرزق اليومي، وبالعبادة مع الرزق، وبالتوفيق للطاعات... وغير ذلك من تفسيرات. وبالرجوع إلى الروايات الواردة في المقام نجد أنّ المراد هو القنوع والقناعة، فعن ابن عباس في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: القنوع، وكان رسول الله (ص) يدعو: "اللهم قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير} (4). وورد أنّ الإمام علي بن أبي طالب (ع) سُئل عن قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} فقال: "هي القناعة" (5)، وجاء أيضًا أنّ الإمام الصادق (ع) فسّر ذلك بقوله: "القنوع بما رزقه الله" (6).

وتختتم الآية الكريمة بوعد إلهي يملأ نفوس المؤمنين انشراحًا وحبورًا وأملًا، بما فيه من تجلٍّ لكرمه المطلق وإحسانه العميم: {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، فعلى الرغم من كون أعمال هؤلاء المؤمنين متفاوتة في حُسنها، فإنه سبحانه يعد بأن يختار أحسن تلك الأعمال ويعطيهم الأجر وفق هذه الأعمال الأحسن دون سواها، فيكون هذا التصرف الإلهي شبيهًا – والتشبيه هنا لتقريب أصل الفكرة وليس لأجل دعوى التطابق – بتصرف المشتري الذي يشتري البضاعة المتفاوتة في الجودة كلها بسعرِ أحسن ما فيها، متفضلًا بهذا على البائع ومحسنًا إليه.

وفي الآية معطيات نتناولها فيما يأتي:

المعطى الأول:

الإسلام هو دين العمل والتطبيق، لا دين الأقوال الجوفاء والشعارات الفارغة. إنه الدين الذي يريد من أتباعه أن يحوّلوا أقوالهم إلى أفعال، وأن يترجموا ما يؤمنون به إلى تطبيقات وأعمال. وبقدر ما يعمل المسلم وينجز في حياته يرتقي في حياته الدنيوية ويفوز في آخرته، والمسلم الحق هو الذي تكون أفعاله متناسبة مع أقواله، غير متضادة معها ولا متنافية، بل هو الذي تكون أفعاله أكثر من أقواله وأبرز منها، كما روي عن الإمام علي (من قوله): "زيادة الفعل على القول أحسن فضيلة، ونقص الفعل عن القول أقبح رذيلة" (7).

المعطى الثاني:

يريد الإسلام من العمل الصالح أن يكون مقترنًا دومًا مع الإيمان، إذ لا قيمة لذاك دون هذا. قال تعالى:

{بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (8).

وعن رسول الله (ص) أنه قال: "ما من شيء أحب إلى الله من الإيمان والعمل الصالح وترك ما أمر أن يُترك" (9).

إنّ العمل الصالح حينما يكون مقترنًا بالإيمان ومنبعثًا عنه فإنّ هذا يكفل له أن يظل أصيلًا، ونقيًا، وثابتًا؛ لأنه حينئذ لن يكون خاضعًا للأمزجة الشخصية أو العادات أو الأعراف الاجتماعية، ولن يكون في أصل وجوده واستمرار بقائه مرهونًا بوجود ثناء ومديح من الناس وبحصول صاحبه على تقدير اجتماعي يليق به؛ لهذا جاءت الروايات عن المعصومين (ع) ترجح كفة وجود الإيمان واليقين على كفة كثرة العمل بلا يقين، فعن الإمام الصادق (ع) مثلًا أنه قال: "العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين" (10).

لا بل يستفاد من بعض الروايات أنّ ترك العمل الصالح من أساس، أفضل من الإتيان به مع الشك وعدم اليقين، فقد روي أنّ الإمام عليًّا (ع) قال حين رأى أحد الحرورية يتهجد: "نوم على يقين خير من عبادة على شك" (11).

منطق الإسلام هو الاهتمام بنوع العمل وكيفية صدوره ودافعه قبل الاهتمام بكميته وكثرته؛ لذا ليس من المستغرب إطلاقًا أن يعطي كل هذه الأهمية والاهتمام لاقتران العمل مع الإيمان.

المعطى الثالث:

يعتني الإسلام اعتناء واضحًا بأن تكون الحياة الدنيا "طيبة"، ويريد من أتباعه أن يسعوا إلى تحقيق هذا في واقعهم المعيش ويبذلوا جهدهم لإيجاده، فليس اعتناؤه إذن مقصورًا على طيب الآخرة وصلاح ما بعد الدنيا، مثلما يدّعي بعض الذين يحاولون تشويه صورة الدين وإبرازه أمام الخلق في هيئة ناقصة قاصرة، وكأنهم بهذا يرمون إلى إقصائه عن ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر؛ ليخلو الجو لهم لتطبيق أفكارهم وتوجهاتهم العلمانية.

إنّ النظرة الإسلامية في مجال الاهتمام بالدنيا وطيبها جلّاها رسول الله (ص) بقوله: "أعظم الناس همًا المؤمن، يهتم بأمر دنياه وأمر آخرته" (12).  بل ذهب البيان النبوي إلى أبعد من هذا، حين أخرج طلب صلاح الدنيا وطيبها من دائرة حب الدنيا المنهي عنه، فقال (ص): "ليس من حب الدنيا طلب ما يصلحك" (13).

وأوضح الإمام الصادق (ع) أنّ القضية ما دامت في سبيل طاعة الله تعالى وباتّباع أحكامه ونهجه فهي داخلة، في الواقع، في دائرة طلب الآخرة وليس الدنيا، فعن ابن أبي يعفور أنه قال: "قلت لأبي عبد الله (ع): إنّا لنحب الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدق، قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة" (14).

المعطى الرابع:

بناءً على ما ورد في الروايات من أنّ طيب الحياة يراد به القناعة، فإنّ الآية تدل على أنّ تحقيق الحياة الطيبة يبدأ من دواخلنا، من واقعنا النفسي، من مدى وجود القناعة في أنفسنا. فالإنسان القنوع تجده دومًا هادئ البال، مستقر النفس، راضيًا عن قضاء ربه، سائرًا في درب الحياة بثبات وطمأنينة، بلا قلق ولا وجل. وفي المقابل، تجد الإنسان غير القنوع منهومًا دومًا إلى هذه الدنيا، لا ينال منها شيئًا حتى يشرئب بعنقه إلى ما وراءه، فلا تهدأ نفسه ولا يطمئن فؤاده حتى تصبح حياته ضنكًا عليه ووبالًا. وقد ورد أنّ الله تعالى أوحى إلى نبيه داود (ع): "وضعت الغنى في القناعة، وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه" (15).

مخطئ، إذن، من يظن أنّ تحقيق السعادة في الحياة يكون بتوفير الوسائل الخارجية المحققة للرفاهية والراحة كالمسكن الواسع، والسيارة الفارهة، والوظيفة العالية... وما إلى ذلك. نعم، هذه الأمور قد يكون لها أثرها في ارتفاع المستوى المعيشي المادي للحياة، لكن السعادة الحقة لن تجد مكانها في حياة المرء ما لم تكن ثمة قناعة في داخله، القناعة التي تجعله يحثّ الخُطا نحو الاستقرار الوجداني والاطمئنان النفسي، مهما كان المستوى المادي للمعيشة.

المعطى الأخير:

من منطلق الحديث المروي عن الرسول (ص): "تخلّقوا بأخلاق الله" (16)، نتعلم من الآية الشريفة أن نتعامل مع الناس من حولنا وفق أحسن أعمالهم ومواقفهم منّا، مثلما وعد الله تعالى أن يعامل عباده المؤمنين، فتكون صدورنا دومًا منفتحة لهم، ونفوسنا أبدًا منشرحة أمامهم؛ لأننا ننظر دومًا إلى أحسن ما صدر منهم في حقنا، ولا ننسى أياديهم ومعروفهم معنا، فتظل صورهم في أذهاننا ناصعة، وذكرياتهم إن غابوا طيبة عطرة، وبذا نكفل لأنفسنا وللناس في مجتمعنا حياة اجتماعية يملؤها الوئام ويسودها الود والانسجام.

بيد أنك قد تجد، في أي مجتمع، أناسًا يتعاملون مع غيرهم بطريقة معاكسة تمامًا لهذه، فهم يكادون لا ينسون أي خطأ، مهما كان صغيرًا وتافهًا، صدر من الآخرين في حقهم، ويبنون كل تعاملهم على أساس ذلك الخطأ الذي لا يغتفرونه، متغافلين عن كل الإيجابيات والخيرات التي لعلها صدرت من هؤلاء الناس أنفسهم في حقهم. وفي هذا ورد عن الإمام علي أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "صاحب الإخوان بالإحسان، وتغمّد ذنوبهم بالغفران" (17).

___________________________

 (*) المصدر كتاب "الإنسان والحياة.. نظرات قرآنية" للشيخ الدكتور إحسان بن صادق اللواتي.

(1) سورة النحل، الآية 97.

(2) سورة البقرة، الآية 285.

(3) سورة المائدة، الآية 5.

(4) الدر المنثور 4: 244.

(5) نهج البلاغة، قصار الحكم 229.

(6) تفسير القمي 1: 390.

(7) ميزان الحكمة 7: 18.

(8) سورة العصر.

(9) قصار الجمل 2: 73.

(10) ميزان الحكمة 7: 15.

(11) نفسه 6: 14.

(12) كنز العمال، الحديث 702.

(13) ميزان الحكمة 3: 296.

(14) نفسه.

(15) نفسه 8: 281.

(16) تعليقة حيدر الآملي على كتاب "آداب السالكين في معرفة أسرار عبادات العارفين"، للفيض الكاشاني، ص 626.

(17) ميزان الحكمة 6: 318.

 

 

 

 

 

 

 

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع مكتب آية الله العظمى السيد الشبيري الزنجاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.