من صفات المؤمنين (يقيمون الصلاة) (*)
الشيخ حسن عبد الله العجمي
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (1).
من صفات المؤمنين التي تعرّضت لها هذه الآية الكريمة، أنهم يمارسون عبادة الصلاة لا على نحو الأداء فقط، بل على نحو الإقامة، حيث تكون صلاتهم واجدة لشرائط الصحة والقبول، فإقامة الصلاة تعني المحافظة عليها بأدائها في وقتها، والالتزام بشرائط صحتها، وممارستها مع سننها ومستحباتها، مراعياً العبد في أدائه لها شرائط قبولها أيضاً، فيأتي بها على الوجهة التي تكون معراجاً للمؤمن، متقرّباً بها إلى الله لترتقي به في سلّم الرفعة والكمال.. فالصلاة لها أثرٌ ودورٌ فعّال في حياة المؤمن، فهي من أفضل الأعمال بعد معرفة الله سبحانه وتعالى، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» أنّه قال لمّا سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة: (ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة) (2).
وفي رواية أخرى لما سئل عن أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله قال: (ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: {وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا})؟! (3).
وهي عمود الدين، قال الإمام الباقر «عليه السلام»: (الصلاة عمود الدِّين، مثلها كمثل عمود القسطاط، إذا ثبت العمود يثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب) (4).
وهي أصل لقبول أعمال العبد في يوم القيامة، فعن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (أول ما ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فان قبلت نظر في غيرها، وإن لم تقبل لم ينظر في عمله بشيء) (5).
وفِي رواية أخرى عنه «صلى الله عليه وآله» قال: (إنّ عمود الدّين الصلاة، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله، وإن لم تصح لم ينظر في بقيّة عمله) (6).
وهي ليست مجرّد طقسٍ ديني خال من أيِّ مضمون ومحتوى، وإنّما لها من الآثار الكثير، فهي مطهرّة من الذنوب وتبعاتها، قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: (تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرّبوا بها، فإنّها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا ما سلككم في سَقَر، قالوا لم نك من المصلين، وإنّها لتحت الذنوب حتّ الورق وتطلقها إطلاق الرّبق) (7).
فذكر «عليه السلام» أنّ من فوائد الصلاة وآثارها أنّها تخلّص فاعلها من الذنوب، فتسقطها من رقبته كسقوط الأوراق الجافة من الأشجار، وأنّها تفك عنقه من أغلال الذنوب كفك أعناق البهائم من الرّبق، وأشار النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» إلى هذه الثمرة للصلاة في أكثر من مناسبة وقول، فينقل عن سلمان الفارسي «رضي الله عنه» أنّه قال: (كنّا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ظل شجرة، فأخذ غصناً منها، فنفضه فتساقط ورقه، فقال: ألا تسألوني عمّا صنعت؟ فقلت: أخبرنا يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق هذه الشجرة) (8).
وفِي رواية أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» خاطب أصحابه بقوله: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما تقولون هل يبقى من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ذاك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا) (9).
وفِي أخرى أنه «صلى الله عليه وآله» شبهها بعين الماء الحارة، فعن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: (وشبهها - أي الصلاة - رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالحمّة (10) تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في الْيَوْمَ والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن).
فكذلك من صلى الصلوات الخمس مراعياً شرائط صحتها وقبولها لا يبقى عليه شيء من الذنوب.
وفِي رواية عنه «صلى الله عليه وآله» قال: (إذا قمت إلى الصلاة وتوجهت وقرأت أمّ الكتاب وما تيسر من السّور، ثم ركعت فأتممت ركوعها وسجودها، وتشهّدت وسلّمت غفر لك كل ذنب بينك وبين الصلاة التي قدّمتها إلى الصلاة المؤخرة) (11).
وتنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (12) حيث تكون الصلاة مصدراً للشحن المعنوي، تشحن العبد بشحنات إيمانية، تزيد من مستوى إيمانه وترفع من درجة التقوى لديه، لتصل بإيمانه وتقواه إلى مرحلة يشكلان فيها حاجزاً ومانعاً للعبد من اقتحام الفحشاء وارتكاب المنكر.. فالعبد الذي يمتثل الأمر الإلهي المتوجه إليه بأداء عبادة الصلاة، فيعيش المثول بين يدي الحضرة الإلهية خمس مرّات في اليوم والليلة، لا بدَّ وأن يحصل على زخم معنوي يؤثر في إيمانه إيجابيّاً، ليصبح قوّة فعّالة تشكّل رادعاً لهذا العبد عن الإنجرار وراء الأهواء النّفسيّة، فترتدع نفسه عن الشهوات، وتعدل عمّا كانت عليه من الآثام والمنكرات.. تماماً كما حصل لذلك الرجل الذي كان يصلي خلف النبي «صلى الله عليه وآله» ولكنه كان يرتكب الفحشاء، فأخبر النبي عنه فقال «صلى الله عليه وآله»: (إنّ صلاته تنهاه يوماً ما) (13)، فلم يلبث الرجل أن تاب، فبمرور الأيام ونتيجة لتلك الشحنات المعنوية التي كان يحصل عليها بممارسته للصلاة ارتقى إيمانه وتقواه إلى مستوى كانت لهما القدرة على مواجهة النفس وشهواتها، والشيطان ووساوسه، فارتدع عن فعل ما كان يأتي به من الفحشاء، فلهذا تعدّ الصلاة حصناً من الشيطان كما في الحديث المروي عن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»: (الصلاة حصن من سطوات الشيطان) (14).
وعن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: (لا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم) (15).
وللصلاة آثار وثمار غير ما ذكرناه أشارت إلى بعضها الرّوايات، منها ما عن الإمام الباقر «عليه السلام» أنّه قال: (للمصلي ثلاث خصال إذا هو قام في صلاته؛ حفت به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء، ويتناثر البر عليه من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وملك موكل به ينادي لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل -أي ما انصرف من الصلاة-) (16).
وعن أمير المؤمنين «عليه السلام»: (إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسداً لما يرى من رحمة الله التي تغشاه) (17).
إنّ هذه الفوائد والآثار للصلاة مما ذكرناه وما لم نذكره إنّما يحصل عليها أولئك المؤمنون الذين تكون صلاتهم فاعلة مؤثرة، أولئك الذين يقيمون الصلاة فيراعون في فعلهم لها جميع شرائط صحتها وقبولها، فهم الوحيدون الذين يجنون هذه الثمار، كل واحد منهم حسب درجة إيمانه ومستوى مرتبته وقربه من الحق سبحانه وتعالى، لا أولئك الذين لا يراعون إلاّ شرائط الصحة (18)، فضلاً عن أولئك الذي لا يراعونها، فضلاً عن من يتهاون في صلاته، ومن يصدق عليهم أنّهم ساهون عنها.
______________________
(*) المصدر كتاب "بحوث ومقالات من هدي الإسلام".
(1) الأنفال: 2-4.
(3) مستدرك الوسائل 3/41.
(4) المحاسن 1/44.
(5) بحار الأنوار 79/227.
(6) بحار الأنوار 79/227.
(7) بحار الأنوار 79/225.
(8) بحار الأنوار 79/208.
(9) مسند أحمد 2/379.
(10) أي: عين الماء الحارّة.
(11) من لا يحضره الفقيه 2/202.
(12) العنكبوت: 45.
(13) بحار الأنوار 79/198.
(14) عيون الحكم والمواعظ، صفحة 66.
(15) بحار الأنوار 79/202.
(16) الكافي 1/210.
(17) الخصال 632.
(18) نعم يحصل هؤلاء على ثواب الإمتثال للأمر الإلهي بفعل الصلاة.