نبذة مختصرة عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله               ولادة الرسول الأكرم ومنطلقات الوحدة الإسلامية               النبوة لطف               التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
183337
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات قرآنية
 
 
إرادة الله وإرادة أتباع الشهوات
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2017/06/08 - [المشاهدات : 1218]
 

 إرادة الله وإرادة أتباع الشهوات

الشيخ الدكتور إحسان صادق

(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (1).

علاقة الله سبحانه بعباده هي علاقة محبة وإرادة كل ما فيه الخير لهم؛ لأنهم خلقه وصنعاؤه ومظاهر قدرته ولطفه، وهذا يستتبع أن يريدهم دومًا في طريق عبادته، فهو طريق فوزهم وفلاحهم في دنياهم وأخراهم، فإن هم اختاروا وأرادوا أن يسيروا في غير هذا الطريق، أراد الله جلّ وعلا (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (2)، وهذا هو ما تتحدث الآية عنه. والتوبة، في معناها اللغوي الواضح، هي الرجوع. وهنا فسّرها المفسرون تفسيرين:

أ - أن يرجع الله عليكم بالنعم التي رفعها عنكم نتيجة ذنوبكم.

ب _ أن يرجع عليكم بالمغفرة والرضوان بعد توبتكم.

هكذا يريد الله. لكن هناك في المقابل من يتّبعون الشهوات، وهؤلاء يريدونكم أن تكونوا مثلهم، فتتركون الطريق الإلهي القويم، وتتخبطون في طرق الشهوات، فتميلون ميلًا عظيمًا، وهذا الميل العظيم يقصد به هنا الابتعاد عن صراط الفطرة، بناءً على ما ذكره مفسرون (3).

وفي الآية قضايا للتدبّر:

1-قضية التوبة:

الملاحظ في هذه الآية الشريفة أنّ التوبة جُعلت فعلًا إلهيًا، فهو سبحانه يتوب على عباده، وهذا ما نجده آيات أخرى كريمة مثل:

- (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (4).

- (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (5).

- (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ) (6).

لكن هناك في القرآن آيات أخرى، جُعلت فيها التوبة فعلًا إنسانيًا، فالعبد هو الذي يتوب إلى الله تعالى، مثل:

- (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) (7).

- (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (8).

- (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) (9).

وقد ذكر العلماء – في مقام التوفيق بين مدلولات هذه الآيات الكريمة وبيان المفهوم القرآني للتوبة – أنّ توبة العبد محفوفة بتوبتين من الله سبحانه عليه، سابقة ولاحقة: فالتوبة السابقة منه تعالى هي بمعنى رجوعه إلى عبده بتسهيل طريق التوبة أمامه وتوفيقه للسير فيه، فلولا هذا التوفيق الإلهي لما تمكن العبد من التوبة ولما تيسرت له. فإذا رجع العبد إلى ربه وتاب توبة صادقة حقيقية، رجع إليه ربه رجوعًا مجددًا بتطهيره من آثار المعاصي، فيصير التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذا هو المقصود من التوبة اللاحقة (10).

إنّ هذا المفهوم للتوبة يستدعي ذكر بعض الأمور:

أولها: ما دامت التوبة تحتاج إلى وجود توفيق من الله للعبد، فإنّ من السفه أنْ يثق هذا العبد بحصوله على هذا التوفيق، فربما لا يناله. أفليس الأفضل له، إذن، والأقرب للمنطق والحكمة أن يتجنب الوقوع في الذنب من أساس؟ ألسنا دومًا نكرر في حياتنا وشؤونها العامة، ولا سيما الصحية منها: "الوقاية خير من العلاج"؟ وهذا إمامنا علي "عليه السلام" يدعونا إلى إعمال المقولة نفسها في مجال الذنوب: "ترك الذنب أهون من طلب التوبة" (11).

وثانيها: إنْ وقع المرء في أوحال الذنوب وانجرفت قدماه إلى مستنقعاتها القذرة، فإنّ عليه أن يبادر إلى أن يوفّر في نفسه ما من شأنه أن يجعله صالحًا للحصول على التوفيق الإلهي للتوبة. وأول ذلك أن يندم على ما بدر منه، ويقرّ بذنوبه ولا يتمادى فيها، فعن الإمام محمد الباقر "عليه السلام" أنه قال: "كفى بالندم توبة" (12)، وقال أيضًا: "والله ما ينجو من الذنوب إلا من أقرّ بها" (13).

وأخيرها: بما أنّ التوبة تحتاج إلى توفيق، فإنّ على المرء أن يستثمر الحالات التي يستشعر فيها توافر هذا التوفيق وتحقق دواعي التوبة في داخله، فلا يؤجل التوبة إلى المستقبل، ولا يسوّفها. فلعل هذا التوفيق لا يتوافر له غدًا، ووقتذاك لن يجديه الندم والتحسر على تضييع الفرصة شيئًا، فعن الإمام محمد الجواد "عليه السلام" أنه قال: "تأخير التوبة اغترار" (14).

2-قضية الإرادتين: 

ذكرت الآية الشريفة أنّ الله تعالى يريد أن يتوب علينا، أن نرجع إليه فيرجع هو إلينا؛ ليشملنا في نطاق عفوه ورحمته وجوده ولطفه، لكن الآية تنصّ أيضًا على أنّ الإرادة الإلهية ليست الوحيدة المتوجهة إلينا، وليتها كانت، فثمة أيضًا إرادة أخرى عند متّبعي الشهوات، فهؤلاء يريدوننا أن نميل عن الخط الإلهي، ولا يقنعون في هذا المجال بأن نميل ميلًا قليلًا يسيرًا، بل يريدون لهذا الميل أن يكون فاحشًا إلى الدرجة التي استحق معها أن يصفه القرآن بأنه "عظيم"!

هذه الإرادة الأخرى خطورتها الحقيقية تكمن في أنها قد لا تظهر لنا في صورتها الواقعية، ولا تسفر أمامنا عن وجهها البشع، بل تتقنع بأجمل الأقنعة وتظهر في أبهى المظاهر، وهذا ما ينبغي – بل يجب عقلًا – أن نحذره. فكم من كلمة حق، في هذا الزمان على وجه الخصوص، يراد منها باطل! وما أكثر الشعارات البراقة والعناوين الجذابة التي تُرفع أمام العالم كله، ولا يكون وراءها سوى المصالح الخاصة والأطماع الدنيئة!

ولن يحتاج المرء إلى كثير عناء في البحث عن أمثلة على هذا، فالشعارات المتحدثة عن حقوق البشر، والعدالة، والديمقراطية، ومحاربة الإرهاب والتطرف موجودة في كل ناحية وصوب، لكن ما أكثر ما اتُخذت مسوغًا وذريعةً لأجل التعدي على الأبرياء، وانتهاك القيم الإنسانية والتعاليم السماوية، وسلب الشعوب ونهبها، والتعدي على مقدساتها!

إنّ العدو قد لا يُظهر لك عداوته، بل قد يتظاهر بالمحبة والصداقة، فيخفى أمره عليك، وتقع في الغفلة عن حقيقة إرادته وما يرسمه ضدك؛ لذا وجدنا في النصوص الشرعية حرصًا كبيرًا على تبيان صفات الأعداء الحقيقيين؛ كي نكون منهم على حذر، ومن إراداتهم الواقعية في مأمن. يقول الإمام علي "عليه السلام" مثلًا في هذا الصدد: "من ساتَرك عيبك، وعابك في غيبك فهو العدو، فاحذره" (15). هذا الإنسان الذي لا يني يذكر عيوبك في حال غيابك، ويتشفى منك بذلك، لكنه في حال حضورك لا يذكر أي عيب لك، حتى إن طلبت أنت منه أن يصارحك، بل يتملقك ويجاملك، هذا الإنسان لا يمكن أن يكون صديقًا حقيقيًا، وليس من الحكمة أن تراه حبيبًا لك. إنه العدو، عدوك الواقعي، فكن منه على حذر، ولا تغترّ بأقنعة ابتساماته لك وتودده إليك.

3-قضية الحرية والتقييد:

كثيرًا ما ترتفع في أيامنا هذه، على وجه خاص، أصوات تصف الدين – لا سيما في بعض أحكامه وتجلياته – بأنه تقييد لحرية الإنسان، وخنق لكرامته وقابلياته وإمكاناته في أبعاد متنوعة، والمطلوب من هذا الإنسان أن يستعيد تلك الحرية المضيّعة، وينطلق وراء الأفكار الليبرالية الغربية، بعيدًا عن الدين وقيوده.

نعم، الدين في أساسه هو التزام وتقيّد بما يريده الله تعالى منّا، مع وجود مناقشات تفصيلية كثيرة ليس هذا مجال التعرض لها فيما يتعلق بالأمثلة والجوانب التي تُذكر عادةً. لكن هذا التقيّد الديني إنما هو في طريق {أن يتوب عليكم}، وهو الطريق الذي فيه السعادة الحقة للإنسان، بينما طريق الشهوات قد يبدو في ظاهره طريقًا نحو الحرية، لكنها الحرية المغلوطة المشوّهة التي ستقود الإنسان إلى تضييع فطرته، وتضييع ذاته ومصيره بالنتيجة؛ لذا وجدنا الإمام عليًا "عليه السلام" يقول في هذا المجال: "أقبل على نفسك بالإدبار عنها" (16).

إنك إذا تحكمت في نفسك، ولم تسلس لها القياد لتقودك إلى حيث تشتهي، فإنّ هذا الذي يبدو في ظاهره إدبارًا عنها هو، في حقيقة الأمر، إقبال عليها وسعي منك إلى تحقيق مصلحتها الحقيقية، وهكذا تتحقق الحرية الحقة في نظر الإسلام، إذ "إنما يصبح الإنسان حرًا حقيقةً حين يستطيع أن يتحكم في طريقه، ويحتفظ لإنسانيته بالرأي في تحديد الطريق ورسم معالمه واتجاهاته، وهذا يتوقف على تحرير الإنسان قبل كل شيء من عبودية الشهوات التي تعتلج في نفسه، لتصبح الشهوة أداة تنبيه للإنسان إلى ما يشتهيه، لا قوة دافعة تسخّر إرادة الإنسان دون أن يملك بإزائها حولًا أو طولًا" (17).

_____________________

(1) النساء: 27.

(2) التوبة: 102.

(3) منهم صاحب تفسير المنار 5: 35.

(4) سورة التوبة، الآية: 117.

(5) سورة البقرة، الآية: 54.

(6) سورة البقرة، الآية: 187.

(7) سورة المائدة، الآية: 39.

(8) سورة التوبة، الآية: 118.

(9) سورة البقرة، الآية: 160.

(10) يراجع في هذا: الميزان في تفسير القرآن 4: 237.

(11) ميزان الحكمة 1: 554.

(12) الميزان في تفسير القرآن 4: 252.

(13) المرجع والصفحة.

(14) ميزان الحكمة 1: 553.

(15) ميزان الحكمة 6: 94.

(16) ميزان الحكمة 10: 144.

(17) بحوث إسلامية ومواضيع أخرى، محمد باقر الصدر، ص 47 – 48.

(*) المصدر كتاب: "الإنسان والحياة.. نظرات قرآنية".

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع مكتب آية الله العظمى السيد الشبيري الزنجاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.