شهر رمضان.. حجاب يسترك من النار
بقلم السيد عامر الحلو
من هو الصائم حقا؟
قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 185). وشهر رمضان المبارك أفضل الشهور لأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وقد قال رسول الله (ص): "هو شهر عند الله أفضل الشهور".
- أسباب تسميته:
1- سُمي رمضان لأنّ الذنوب تُرمض فيه أي تُغفر فهو شهر الغفران ولأنّ الصيام فيه يُحرِق الذنوب. وقد ورد في الحديث: إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنان وأغلقت أبواب النيران.
2- ويرى الخليل بن أحمد الفراهيدي: أن رمضان مأخوذ من الرمض وهو مطر يأتي في وقت الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار وسمي الشهر بذلك لأنّه يطهر الأبدان من الاوضار والأوزار.
- الحكمة من صومه:
إنّ الحكمة في تخصيص هذا الشهر بهذه العبادة كما يبدو والله العالم هي:
1- أنّه الشهر الذي نزل فيه القرآن وأفيضت على البشر فيه هداية الرحمن وذلك في ليلة القدر 23 شهر رمضان.
2- وقد نزلت فيه الكتب السماوية التي أنزلها الله على الأنبياء السابقين لبعثة النبي الأعظم محمد (ص) وذلك:
أ- صحف إبراهيم الخليل نزلت في أول ليلة من شهر رمضان.
ب- التوراة نزلت على موسى بن عمران (ع) لست ليال خلت من شهر رمضان.
ت- الإنجيل نزل على عيسى (ع) لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
ث- الزبور نزل على داود لإثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
3- إنّ الله تعالى فرض صوم شهر رمضان على الأنبياء السابقين لنبينا محمد (ص) وقد رُوي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قوله: "إنّ شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحدٍ من الأمم قبلنا وإنما فرضه على الأنبياء دون الأمم ففضّل الله به هذه الأمة وجعل صيامه فرضاً على رسول الله وعلى أمته".
ولهذا وغيره اكتسب هذا الشهر الفضيل كل هذه المميزات الجليلة ففرض الله الصوم فيه دون غيره من الشهور.
- الغاية من تشريع الصوم:
يمكن لنا ان ندرك الغاية والحكمة الحقيقية التي ينشدها الشارع المقدس من وراء تشريع هذه العبادة من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).
وكلمة "لعل هنا تُفيد الاعداد والتهيئة أي انّ الصوم يُعد ويُهيء الصائم لتقوى الله، وهو يدرب ويربي الإنسان الصائم على الطاعة والبعد عن المعصية. وقال نبي الرحمة محمد (ص): "الصيام جُنَّةٌ فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإذا سابّه أحد وقاتله فليقل إني صائم". وعن الإمام علي (ع) أنّه قال: "صيام القلب عن الفكر بالآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام". وقال أيضاً: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ". وقال علي بن الحسين زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق: "وحق الصوم أن تعلم انّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك من النار فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك". وأفضل ما ورد في هذا المضمار قول النبي (ص): "من صام صامت جوارحه".
وقال الشاعر:
إذا لم يكن في السمع مني تصامم **** وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي من صومي هو الجوع والظما **** وإن قلت إني صمت يوماً فما صمت
- من هو الصائم حقاً؟
جاء رجل إلى رسول الله (ص) وقال له: "مرني بأمر ينفعني" قال (ص): "عليك بالصيام فإنّه لا مثيل له في صحة الجسم وكسر النفس وعظيم الأجر وصفاء القلب والقرب من الله". والمجتمع الصائم له هدف وخطة لتحقيق الهدف، وهدفه التحكم في رغبات النفس عندما تدعو الحاجة إلى التحكم في الرغبات، وخطته إرادته وعزمه وتصميمه.
قال الإمام الحسن السبط (ع): "إنّ الله تعالى جعل رمضان مضماراً لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون". وقد قال أحد المثقفين: "إنّ الصائم حقاً هو الذي أمسك لسانه عن الوشاية وإطلاق الشائعات وهو الذي أمسك فمه عن الأكل والشرب ولغو الحديث وهو الذي أمسك يده عن العبث والإيذاء والإعتداء على الناس وهو الذي أمسك قدميه عن السعي في سبيل الإفساد وهو الذي أمسك قلبه عن الحقد وسوء النية. لأن الصوم في معناه اللغوي هو الكف والإمساك، وفي معناه الشرعي الإمساك عن المفطرات التي ذكرها الفقهاء إحتساباً لله وإعداداً للنفس وتهيئة لها لتقوى الله بمراقبته في السر والعلن وقد قال رسول الله (ص): "مَن حَسُنَ خُلقه منكم في هذا الشهر كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام. ومَن كفّ شرّه فيه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ومَن أكرم يتيماً فيه أكرمه الله يوم يلقاه ومَن قطع رحمه فيه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه".