جهاد النفس
الشيخ حسين عليّان
أطلق النبي "صلى الله عليه وآله" على مجاهدة النفس عنوان الجهاد الأكبر، فقال لسريّة من الفرسان بعد عودتهم من مهمتهم القتالية: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر"! فقيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟! قال: "جهاد النّفس". ثم قال: "أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه".
فنلاحظ أنّ المناسبة التي اختارها النبي "صلى الله عليه وآله" لإطلاق هذا العنوان على مجاهدة النّفس ليست مناسبة عاديّة فهو يتكلّم مع مجموعات من المقاتلين أثناء عودتهم من تأدية مهامهم القتالية.
ومن الواضح أنّ المقاتل على الجبهة قد يتعرّض للجوع والعطش والأسر والجرح وإلى أعلى مراتب التضحية كما لو استشهد. فالحديث إذاً مع إنسان كان في معرض مثل هذه الحالات المذكورة، فكيف يمكنه أن يتصوّر أن هناك جهاداً أرفع رتبة وأعلى مقاماً من هذا الجهاد.
وإذا بالنبي "صلى الله عليه وآله" يقول له: "الجهاد الأكبر هو جهاد النفس".
ولتكن الصورة أوضح لديك نعرض لك كلمة الإمام علي "عليه السلام" وهو يدعو إلى جعل النّفس أوّل ميادين الكفاح فيقول: "ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز فجرّبوا معها الكفاح".
وهنا تتضح صورة "الجهاد الأكبر" فالانتصار على الذات يجعل الإنسان قادراً أن ينتصر في أي موقع آخر لأنّه تحرر من نوازع الشر، وإن عجز عن الانتصار على ذاته فهو أعجز من أن ينتصر في المواقع الأخرى لأنّ نوازع الشر في نفسه إن سيطرت عليه تسقطه في مستنقع الهزيمة. هذا في الدّنيا وأمّا في الآخرة فهو رهينة أعماله التي سيجدها حاضرة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها.
فقال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء: 13 – 14).
إذاً الفائدة من مجاهدة النفس لها أثرٌ في الدنيا وأثر في الآخرة، فأمّا الأثر الدنيوي أن يجلب لنفسه ما ينفع ويدفع عنها ما يضرّه. وأمّا الأثر الأخروي فهو الخير المطلق حين يفوز برضا ربّه ويدخله الجنة خالداً فيها أبداً.
وعندما نتحدّث عن مجاهدة النّفس نرجع إلى القائد القدوة، إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" الذي أعطانا أروع النّماذج في ترويض النّفس على الخير، فيقول سلام الله عليه: "إنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت على جوانب المزلق".
أمير المؤمنين "عليه السلام" وهو في أعلى مواقع السلطة حيث توجد كل المغريات من الجاه والمال والإمرة يقف قائلاً: "أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أن أكون أسوة لهم في جشوبة العيش".
ويقول: "هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى".
فهذه بعض كلماته سلام الله عليه في مقام التعليم والتأهيل لكل من أراد أن يروّض نفسه على تقوى الله.