إنّ الدنيا دار عمل ولا حساب فيها ، والآخرة دار حساب ولا عمل فيها ، إذ يجزى كُلّ إنسان حسب عمله إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ ، وربما تدركه الرحمة الإلهية، أو شفاعة الأنبياء والأئمة الطاهرين(عليهم جميعا السلام) فتنقذه ، وهذه إحدى مظاهر الرحمة الإلهية بعباده ، وإن كانت أعماله كلها سيئة وعقيدته باطلة ، فإنّ الله قد وعد بإدخاله نار جهنم خالداً فيها أبداً.
وهنا يدور في الأذهان سؤالان مهمان هما:
أولاً: ما هي علاقة أعمال الإنسان في الدنيا بحياته في الآخرة؟
ثانياً: لو افترضنا إنّ الإنسان كان عاصياً في الدنيا وأذنب فيها، فلماذا يعذّبه الله في الآخرة، ويحرقه في نار جهنم ، ويكون خالداً فيها أبداً؟
علاقة الأعمال في الدنيا بالحياة الأخرى:
هناك رأيان رئيسيان يوضحان الجواب على هذين السؤالين:
الرأي الأول:الثواب والعقاب هما وعد الله وجزاءه:
إنّ الله سبحانه وتعالى هو المالك والرب والإله، وقد أمر عباده بطاعته ، والامتناع عن معصيته، وأرسل الأنبياء لهداية الناس إلى الحقّ ، وقد بذل الأنبياء والأوصياء ، ثُمّ العلماء والمؤمنين جهدهم في الأعذار والإنذار والتبليغ والوعظ والإرشاد، فمن عمل صالحاً من الناس فقد وعده الله بالجنة خالداً فيها أبداً، ومن عمل سوء يجز بعمله في الآخرة فيعذّب حسب عمله. وقد يكون عذابه في الدنيا، بأن يصاب بشتى أنواع الابتلاء ، أو في البرزخ حيث هو مرحلة من مراحل تصفية الحساب مع المذنبين فيكون (القبر إمّا روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران) حسب الحديث الشريف، وإذا كانت ذنوب الإنسان كثيرة، فإنّ الله يعذّبه في يوم القيامة وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنين الدنيا. فيقف الإنسان للحساب طوال هذه المدّة ويعاني الأهوال والشدائد والحرّ والظلمة وأنواع العذاب، فإن كان ذلك يكفي جزاء لذنوبه، فيمكن أن يدخل الجنة، وإلاّ، فقد تدركه شفاعة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته، وهي من مظاهر الرحمة الإلهية، لأنّهم (لا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى).
وإن كانت ذنوبه أكثر من ذلك، فإن كان مسلماً، فسيدخل نار جهنم يعذّب فيها ما شاء الله من سنين تذكره بعض الروايات بمائة سنة وأخرى بأربعمائة سنة. ( وللعلم فأنّ كُلّ يوم من أيام الآخرة يعادل ألف سنة من سنين الدنيا، وكلّ سنة تعادل ثلاثمائة وستين ألف سنة من سنين الدنيا.) وبعد ذلك تصفى ذنوبه، وتشمله الرحمة الإلهية، فيشفع النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) له ويخرج من النار إلى الجنة.
أما إذا كان الإنسان –والعياذ بالله- مشركاًَ بالله، فإنّه سيبقى معذّباً في نار جهنم خالداً فيها أبداً، لا يموت ولا ينقضي عذابه. وقد تطرّق القرآن الكريم إلى هذا الأمر بما يقرب من ألف آية كريمة.
إذن حسب هذا الرأي فإنّ الثواب هو وعد من الله جلّ وعلا للمؤمنين والله أكرم من أن لا يفي بوعده، فلا بدّ أن يدخل المؤمنين الجنة حسب وعده لهم بالمغفرة.
وإنّ النار عقاب للمذنبين والكافرين ، ولله أن يفي بوعيده فيدخلهم نار جهنم يعذّبهم فيها أمّا مؤقتاًَ إن كانوا من المسلمين المذنبين ، أو خالدين فيها أبداًَ إن كانوا من الكافرين.
وقد ذكر القرآن الكريم هذا المعنى في عدة آيات كريمة منها:
1- قال تعالى حول خلود المؤمنين في الجنة:
- (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلا) ًسورة النساء: 57
- (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد) سورة آل عمران: 15
- (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولًا) سورة الفرقان: 16
- (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأحقاف : 14
2- وقال تعالى حول العذاب المؤقت في النار للمسلمين العاصين:
- (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ)سورة الأنعام: 128
- (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) سورة هود: 107
وقد ذكرت الأحاديث الشريفة أنّ المسلم لا يخلد في النار ، والقرآن يستثنيهم في هذه الآيات من الخلود في النار، لأنّ خلودهم ما دامت السماوات والأرض وليس أبداً.
3- وقال تعالى حول خلود الكفار في النار:
- (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة يونس : 27
- (وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة : 39
- (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة الأعراف : 36
- (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) سورة التوبة : 17
- (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة : 6
وحسب هذا الرأي فإنّ العقاب الإلهي للكافرين والعاصين هو لأنّهم كفروا بالله ، وخالفوا أمره جلّ وعلا، ولم يتبعوا أولياءه، واتبعوا شهواتهم ورغباتهم في الدنيا ، فاستحقوا بذلك العذاب في الآخرة. والله جل وعلا :(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) سورة الأنبياء : 23 فهو الربّ الجبار المنتقم ، وقد اقتضت حكمته في خلق الإنسان أن يجعل الدنيا دار اختبار لعباده، والآخرة دار جزاء لهم حسب أعمالهم، فلا يسأل عن عمله وعن السرّ في ذلك، لأنّه المالك لعباده ، والعبد لا رأي له ولا خيار.
الرأي الثاني: تجسم الأعمال
يرى أصحاب هذا الرأي أنّ هناك علاقة مباشرة بين عمل الإنسان في الدنيا وحاله في الآخرة، لأنّ كُلّ عمل يتجسم في الآخرة، فإنّ كان من الأعمال الصالحة فإنّه يتجسم بجنة ونعيم وخلود، وإن كان من المعاصي والذنوب، فإنّها تتجسم بالعذاب الذي يلاقيه، فيكون الإنسان أسيراً لعمله الذي عمله في الدنيا، ويحرث زرعه بنفسه، فمن يزرع فاكهة فسيجني فاكهة ومن يزرع حنظلاً فسيجني حنظلاً.
ولتوضيح هذه النظرية، نضرب مثال الجنين في بطن أمّه. فإنّ الجنين لا يحتاج إلى يده ورجله، بل ولا يحتاج إلى عينه وإذنه وغيرهما من أعضاءه. فلو تصوّر الجنين أن يده ورجله زائدتان وقطعهما لكي يوسع مكانه في بطن أمّه، فإنّه سيولد بلا رجل يمشي عليها ولا يد يعمل بها. وسيعذّب في الدنيا مدى حياته، لا بسبب انتقام من الله سبحانه وتعالى منه، بل بسبب سوء عمله هو، وقد أدّى قطع رجله في عالم الأرحام إلى عدم القدرة على المشي في عالم الدنيا، مما يسبب عذابه المستمر بسبب صعوبة حركته وتنقله وانجاز حوائجه. وكذلك يؤدّي قلعه لعينه في عالم الأرحام – والعين لا فائدة لها هناك – إلى العمى في عالم الدنيا، حيث سيبقى معذّباًَ يعاني من العمى طوال عمره ويلاقي صعوبات جمة في تنقله وحركته وحياته.
وهناك مشاكل أخفّ من ذلك، فإذا استعملت الأمّ بعض الأدوية المضرّة، فقد يولد يولد الجنين ولديه خلع ولادي في الفخذ، والذي يحتاج علاجه إلى أشهر ثُمّ يصبح أنساناً سوياً، ولكنه يتعذّب لفترة بسبب إجراء العمليات الجراحية المختلفة لعلاجه من مرضه هذا، ثُمّ قد يشفى كلياً.
كما إنّ هناك أموراً أقلّ خطراً من ذلك، إذ قد يولد الجنين وهو قبيح الشكل، أو عصبي المزاج، أو يميل إلى السمنة، أو ضعيف الجسد، وغير ذلك من الصفات الخلقية، والأخلاقية ، ولكلّ صفة أثر معين في حياته في الدنيا، قد تسبب سعادته إذا كان جميلاً قوياً ذكياً سليماً ، وقد تكون من أسباب شقاءه إذا كان ضعيفاً، غبياً، محدود القدرة على النجاح والوصول إلى درجات عالية من الدراسة والعمل، والحصول على ما يصبو إليه من عمل في الدنيا. وكذلك شأن الأعمال في الدنيا وأثرها في الآخرة ، فبعضها مثل الكفر يسبب الشقاء الأبدي والخلود في النار مثل الجنين الأعمى لا يرجى له الشفاء مهما عاش في الدنيا . والبعض الآخر من الذنوب يؤدّي إلى العذاب المؤقت إلى أن يؤهل لدخول الجنة وهذا العذاب قد يطول أو يقصر حسب درجة ذنوبه. والقسم الثالث من الأعمال قد تكون ذنوباً أخلاقية مثل البخل وسوء الخلق وقلة الصبر على المكاره ، أو أن لا يهتمّ الإنسان بالأعمال المستحبة ، أو إتيان المكروهات ، فتكون بذلك حسناته قليلة ، ويكون مقامه في الجنة دانياً . أمّا الذين آمنوا إيماناً كاملاً واعياً ، وعملوا الصالحات ، ولم يفوتوا المستحبات ، ولم يعصوا الله جلّ وعلا طوال حياتهم ، واتصفوا بفضائل الأخلاق ومحاسنها ، ولم يكن عليهم حقّ من حقوق الناس يطول به حسابهم ، فستكون لهم الدرجات العالية في الجنان ، وتكون لذّتهم أكثر من غيرهم ، وينالون رضواناً من الله أكبر ، وهي سعادة ولذة أكثر من كُلّ اللذائذ المادية الأخرى.
وحسب نظرية تجسم الأعمال في الآخرة، فإنّ أعمال الإنسان في الدنيا، هي التي يراها في الآخرة فتكون سبباًَ لسعادته أو شقاءه ، وليس الأمر تعذيبه من الله ، لأنّ الله يتركه ليلاقي عمله الذي قام به في الدنيا. ومن كانت لديه بعض الذنوب فإنّه يحاسب ويعاقب بها ، كمن يحرق بيته بالنار فيحترق هو بها ولم يحرقه أحد .
وسبب الخلود في الجنة أو النار : هو لأنّ نية الإنسان المؤمن كانت أن لو عمّر مدى الدهر لظل مطيعاً لله ، ونية الكافر كانت أن لو عاش مدى الدهر لظلّ كافراً بالله . فتكون نتيجة نيتهم ما يلقاه كُلّ منهم في آخرته. فالجزاء في الآخرة على النيّات . وقد وردت أحاديث شريفة بهذا المضمون.
وتشير عدة آيات كريمة الى تجسم الأعمال في الآخرة منها:
1- العمى في الآخرة بسبب الإعراض عن ذكر الله في الدنيا :
قال تعالى :(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى *) سورة طه:124-126
2- كُلّ النار في الآخرة بسبب كُلّ مال اليتيم في الدنيا :
قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) سورة النساء : 10
3- كُلّ لحم أخيه الميت بسبب الغيبة:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ ثُمّ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) سورة الحجرات : 12
4- يأكلون النار بسبب كتمان ما أنزل الله :
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة البقرة : 174
5- الكفر وقود النار:
قال تعالى: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) سورة البقرة: 24
6- نور المؤمنين يسعى بين أيديهم ، والكافرون في الظلمات :
قال تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة الحديد : 12
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة التحريم : 8
- (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) سورة الحديد : 13
7- إحاطة السيئات والخطايا بالإنسان:
قال تعالى: (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة : 81
8- رؤية الأعمال في الآخرة:
قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.) سورة الزلزلة : 6-8
وهذه الآية الكريمة صريحة في معناها بأنّ الناس يوم القيامة يخرجون من القبور ليروا أعمالهم، فالأعمال تتجسم وتتجسد أمامهم يرونها بأعينهم، فمن عمل مثقال ذرّة من خير فإنّه يراه ، ومن عمل مثقال ذرّة من شرّ فإنّه يراه أيضاً.
وورد في حديث المعراج أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أطلع على نتائج أعمال بعض الناس كما جاء في تفسير القمي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) قال في حديث مفصل جاء فيه:( قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ثُمّ مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيب فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد.
ورأيت ملكين يناديان في السماء أحدهما يقول: اللهم أعط كُلّ منفق خلفاً والآخر يقول: اللهم أعط كُلّ ممسك تلفاً.
ثُمّ مضيت فإذا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الهمازون اللمازون.
ثُمّ مضيت فإذا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.
ثُمّ مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً.
ثُمّ مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ. وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشيا يقولون ربنا متى تقوم الساعة؟
قال: ثُمّ مضيت فإذا بنسوان معلقات بثديهن فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل فقال: هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم. ثُمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): اشتدّ غضب الربّ على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم، فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.....).
الجمع بين الرأيين:
إننا لا نرى تعارضاً بين الرأيين ، خصوصاً وأنّ كليهما يستند إلى آيات من القرآن الكريم ، ويمكن الجمع بينهما بأنّ يكون الثواب والعقاب هو بسبب الوعد والوعيد الإلهي ، وطريقة تحققه هو بأن ينال الإنسان نتيجة عمله الذي أعدّه لنفسه في الدنيا، ويكون الله سبحانه وتعالى قد يسّر كُلّ إنسان لمصيره . قال تعالى : (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * ) سورة الإسراء.