بقلم الشيخ حسن عبد الله العجمي
اليتيم هو كل من مات أبوه من بني البشر قبل بلوغه ..
ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية كتاباً وسنةً بأمور الأيتام، فقد نزلت في بيان حقوقهم وتنظيم شؤونهم أكثر من عشرين آية، يضاف إليها الكثير من الأحاديث في السنة الشريفة.
وإن من أهم مسؤوليات الأمة والمجتمع تجاه اليتامى، القيام بالقسط في التعامل معهم، فحيث أن اليتيم في معرض الظلم والتعدي بسبب ضعفه وعجزه فقد خصه الإسلام بالذكر من بين سائر الناس في ضرورة تحري العدل معه وتحاشي ظلمه والتعدي عليه، قال الله سبحانه وتعالى: (... وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) (النساء: ١٢٧). وقد حذرت الشريعة الإسلامية من التعدي على اليتيم بأكل أمواله بالباطل، قال الحق سبحانه وتعالى: ( ... وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (الأنعام : ١٥٢).
وفي الرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وآله قال: (يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً).
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: (الكبائر سبع، قتل المؤمن متعمداً، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرّب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البينة، وكل ما أوجب الله عليه النار).
ومن المسؤوليات الملقاة على عاتق الأمة والمجتمع تجاه اليتيم هو العمل في سبيل إصلاحه، وليشمل هذا الإصلاح إصلاح اليتيم في نفسه وفي ماله، فحاجة اليتيم إلى الإصلاح حاجة ملحة لأنه عادة ما يكون في معرض الانحراف والضياع، والإصلاح المطلوب لليتيم كما ورد في قوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) (البقرة:٢٢) شامل للإصلاح المالي، بأن يحفظ الولي مال اليتيم ولا يعرضه للتلف وشامل للإصلاح النفسي وهو الأهم فلا يُقهر اليتيم على ما لا يستطيع تحمله أو فعله، قال الله سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) (الضحى:٩).
فالمسؤولية الأهم الواقعة على عاتق الأمة والمجتمع الذي يعيش فيه اليتيم هي مسؤولية الرعاية ونقصد بها ما يشمل حفظه وحمايته وتربيته وتعليمه وتأمين الحياة الكريمة له بكل متطلباتها، فلا بد من ملئ الفراغ الذي تركه موت الأب على حياة ابنه أو ابنته وتعويضه معنوياً عن النقص الناجم عن ذلك .. فالمطلوب من المجتمع أن يقوم بدور الأبوة الذي فقده اليتيم بفقد أبيه.
إن الرعاية المطلوبة تجاه اليتيم هي تلك الرعاية التي تهدف إلى سدّ نقص اليتيم من جميع الجوانب، ما يشمل الرعاية المادية والرعاية المعنوية، فلا بد من رعاية اليتيم ماديا بتوفير المأكل والملبس والمسكن له، وتوفير العلاج له متى احتاج إلى ذلك، ولقد حث الكتاب المجيد على الإنفاق على اليتيم في العديد من آياته الكريمة، منها قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:١٧٧).
كما نصت الأحاديث الشريفة على الثواب العظيم والحزيل لكافل اليتيم ترغيباً للمسلم في ذلك منها قوله صلى الله عليه وآله: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى وفرّج بينهما).
وقوله صلى الله عليه وآله: (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه).
وفي الخبر الموثق عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (أربع من كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنة، من آوى اليتيم ورحم الضعيف وأشفق على والديه ورفق بمملوكه).
وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من عال يتيماً حتى يبلغ أشدّه أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار).
والنوع الثاني من الرعاية المطلوب إيلاؤها لليتيم هي الرعاية الثقافية بالعمل على تعليمه وتزويده بوسائل العلم والثقافة والمعرفة ليخرج من مستنقع الجهل والأمية، وكما أن اليتيم بحاجة إلى الرعاية المادية والثقافية فهو أيضا بحاجة إلى الرعاية التربوية والعاطفية، فهو بحاجة ماسة جداً لهذه الرعاية لأنه بفقد الأب فقد المربي والمؤدب.