نبذة مختصرة عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله               ولادة الرسول الأكرم ومنطلقات الوحدة الإسلامية               النبوة لطف               التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
183639
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات أخلاقية
 
 
الاعتراف والإقرار بالذنب
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2016/04/15 - [المشاهدات : 875]
 

 الاعتراف والإقرار بالذنب

قد قيل (الاعتراف بالخطأ فضيلة) وإن كان ثمةَ مَن يشك في كون الاعتراف بالخطأ مع الناس فضيلة، فهو مع الله تعالى من أفضل الفضائل، ويدلّ على سمو النفس وعلوّها، وهو يتضمن شكوى النفس إلى بارئها، طلباً للخلاص والغفران، وفيه إفضاء بما في النفس إلى الله تعالى.

والاعتراف يزيل مشاعر الخطيئة والإثم، ويخفف من عذاب الضمير، ويطهّر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها.

ولسنا – نحن العبيد الخاطئون – بدعاً في إقرارنا بذنوبنا، واعترافنا على أنفسنا، بل أوّل مَن فعل ذلك أبونا آدم، وأُمّنا حوّاء، قال تعالى على لسانهما:

(قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 23).

ولئن كان المسيحي يقرُّ على نفسه، ويعترف بذنبه بين يدي عبد مذنب مثله، فنحن نعترف على أنفسنا بين يدي ربّ العزة سبحانه، والاعتراف بالذنب يبقى سراً بيننا وبين الله لا يطلع عليه أحد.

إنّ الذنوب والخطايا أوزارٌ وأثقالٌ تُثقِل كاهلَ النفس، وتعصرها، والإقرار بها عند الله تعالى يزيح هذه الأثقال، ويريح النفس، ويدعها حرّة طليقة، تسمو إلى الله عزّ وجلّ في هدوءٍ وراحة، لتستقر بين يديه، وفي رحاب رحمته الواسعة، ومغفرته الكريمة.

وتسبق الإقرار والاعتراف، حالة التهيؤ لذلك، والاستعداد النفسي للإقرار بالذنب لابدّ فيها من محاسبة النفس أوّلاً، ومحاكمتها ذاتياً..

والمحاسبة لا تعني لوم النفس فحسب بل هي بمعنى نقد الذات، نقداً ينتج عنه الاطمئنان والراحة والاستقرار، وهو ما كان يفعله الأنبياء والأوصياء والأولياء وعباد الله الصالحون.. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، كانوا يفعلون ذلك، ربما لمحاسبة أنفسهم، وربما لتعليم الآخرين وتربيتهم على هذه الطريقة، يوحون إليهم (بالنقد الذاتي).

كما أنّ محاسبة النفس ووضعها تحت المراقبة، والإرصاد لها، من أهم العوامل الوقائية التي تمنع زيغها وسقوطها في المهالك، ومن ثم تهيئتها للمثول بين يدي الله.

والمحاسبة في كثير من الأحيان تشكل الوقاية من الزلة قبل الوقوع فيها وقد قيل (الوقاية خير من العلاج) كما ورد في الحديث الشريف: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر".

وروي عن أبي الحسن الماضي (ع): "ليس منا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإن عمل صالحاً ازداد لله شكراً وإنّ عمل سيئاً استغفر الله وتاب".

ويبدو من هذا القول المأثور أنّ المحاسبة هي بمعنى النظر والتأمل في ما أتى به الإنسان من قول وعمل، صالحاً كان أو سيئاً، عليه أن يتوقف نهاية كلّ يوم قليلاً ليتأمل ماذا فعل في يومه هذا، فإن كان خيراً صالحاً فرح به وشكر الله تعالى أن وفقه للخير والعمل الصالح.. وإن كان شراً وسوءاً – والعياذ بالله – لام نفسه وحاكمها على ذلك، وتاب وأناب إلى الله تعالى، وعاهد الله أن لا يعاود الكرّة إلى مثل هذه الأعمال، وبهذا الشكل يكون قد أنهى يومه على خير وجه، ونام قرير العين مطمئن البال، توطّدت علاقته بالله عزّ وجلّ، وتعمّق إيمانه به.

روي عن علي بن الحسين زين العابدين (ع) قال:

"لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبدَه...".

وروي عن الصادق (ع):

"ما من يوم يأتي على ابن آدم إلّا قال ذلك اليوم: يابن آدم، أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فافعل بي خيراً، واعمل فيَّ خيراً، أشهد لك يوم القيامة فإنّك لن تراني بعدها أبداً".

إنّنا نعتقد أنّ أعمالنا يراها الله عزّ وجلّ ويطّلع عليها، ويثبّتها الملكان الموكلان بالإنسان في صحيفة أعماله (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19).

(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18).

بل أكثر من ذلك، إنّ الأعمال (أعمال العباد) تُعرض كلّ يوم على رسول الله (ص)، فيراها ويطّلع عليها، فإن كانت حسنة فرح بها، وإن كانت سيئة ساءه ذلك، فالرقابة دائمةٌ علينا، وإنّنا لا نخلو من عين الله في كلّ حال، إذن لابدّ من محاسبة النفس محاسبة دقيقة وملاحظة الأقوال والأفعال ملاحظةً جادّة.

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105).

وروي عن أبي سعيد الخدري: إنّ عماراً قال: يا رسول الله وددتُ أنّك عمرت فينا عمر نوح (ع) فقال (ص): "يا عمّار: حياتي خير لكم، ووفاتي ليسَ بشرٍّ لكم أما في حياتي فتُحدِثون واستغفر الله لكم، وأما بعد وفاتي فاتقوا الله وأحسنوا الصّلاة عليَّ وعلى أهل بيتي، فإنّكم تعرضون عليَّ بأسمائكم وأسماء آبائكم وقبائلكم فإن يكن خيراً حمدت الله، وإن يكن سوءاً استغفر الله لذنوبكم".

فقال المنافقون والشُكاك والذين في قلوبهم مرض: يزعم أنّ الأعمال تُعرض عليه بعد وفاته، إنّ هذا لهو الإفك، فأنزل الله (وَقُلِ اعْمَلُوا...) (التوبة/ 105). فقيل له (ص): ومَن المؤمنون؟ فقال (ص): "هم آل محمد (ص) والأئمة منهم (عليهم السلام)".

من هنا: ورد الاستحباب، أن يستغفر المرء بهذا الاستغفار آخر كلّ خميس:

"استغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم وأتوب إليه، توبة عبد خاشعٍ خاضعٍ مسكين مستكين مستجير، لا يستطيع لنفسه صرفاً ولا عدلاً ولا نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا موتاً ولا نشوراً، وصلّى الله على محمد وعترته الطيبين الطاهرين الأبرار وسلم تسليماً كثيراً".

وعن الكليني بإسناده قال: كان عليّ (ع) إذا أمسى قال: "مرحباً بالليل الجديد والكاتب الشهيد، اكتبا، بسم الله" ثم يذكر الله عزّ وجلّ.

إنّ الحزم والتعقل يحتمان على الإنسان أن يقيّد نفسه بالمحاسبة، ويملكها بالمغالبة، وإنّ من سعادة النفس أن ينتدب المرء لمحاسبتها، ويطالبها بما أتت به في يومها، ويتحرى الدقة في المحاسبة، ليطمئن أنّه نآى بنفسه عن مواطن الزلل والشقاء.

عن النبيّ (ص): "قيّدوا أنفسكم بمحاسبتها واملكوها بمخالفتها، تأمنوا من الرعب، وتدركوا عند الرغب".

وعنه (ص) أيضاً: "الكيّس من دان نفسه".

وقال أبو عبدالله الصادق (ع): "إذا آويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك، وما كسبت في يومك، واذكر أنّك ميت، وأنّ لك معاداً".

وعن أبي الحسن الماضي (ع): "ليس منا مَن لم يحاسب نفسه كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه".

وفي دعاء الصباح والمساء من أدعية الصحيفة السجادية، قال زين العابدين (ع):

"... وهذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسَنّا ودّعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذمّ، اللّهمّ صلِّ على محمد وآله، وارزقنا حسن مصاحبته، واعصمنا من سوء مفارقته، بارتكاب جريرة، أو اقتراف صغيرة أو كبيرة، وأجزل لنا فيه من الحسنات، وأخْلِنا فيه من السيئات".

وروي عن رسول الله (ص): "بينما هو مستظِلٌّ بظلِّ شجرة، في يومٍ شديد الحرّ، إذ جاء رجل مُنزع الثياب، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء، يكوي ظهره مرة وبطنه مرة وجبهته مرة، ويقول: يا نفس ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك، ورسول الله ينظر إليه ما يصنع، ثم إنّ الرجل لبس ثيابه ثم أقبل، فأومأ إليه النبيّ (ص) بيده، ودعاه فقال له: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟

فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله، فقلت لنفسي: يا نفس ذوقي فما عند الله أعظم مما صنعت بك فقال النبيّ (ص): لقد خفتَ ربّك حقّ مخافته، وإنّ ربّك ليُباهي بك أهل السماء.

ثم قال لأصحابه: يا معشر مَن حضر، أُدنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم، فدنوا منه فقال: (اللّهمّ اجمع أمرنا على الهدى واجعل التقوى زادنا، والجنّة مآبنا)".

إنّ بعض الناس يرى مثل هذه القضايا تخصّ كبار السن، ممن صاروا على حافة الموت، عليهم أن ينظروا لأنفسهم، ويحاسبوها استعداداً للرحيل، أما الشاب الذي لا زال يستقبل الحياة فلا تعنيه هذه النصائح من قريب أو بعيد، ويظل سادراً في هواه وغيّهِ غافلاً عن أنّ الموت قد لا يمهله حتى يبلغ سن الشيخوخة، وأنّ الأجل قد يكون له بالمرصاد، وأنّ الشباب الذي يترصد لنفسه بالمغالبة والمحاسبة، لهو من خيرة الشباب المؤمن الصالح.. وإنّ التسويف والمماطلة في الاستعداد للموت، معناه التمادي في الغي والغفلة والإعراض عن الواقع والحقيقة وهو بالتالي، نوع من أنواع الانحراف النفسي الذي يحتاج معه إلى العلاج.

يقول شاعر:

المرء مرتهن بسوف وليتني          وهلاكه بالليت والتسويف

إنّ تأخير محاسبة النفس، قد يلوّثها بشكل لا يستطيع معه إصلاحها، والتفكر لها حتى في السنين المتأخرة من حياته. فمن أدمن السيئات وارتكاب المحارم، واجتراح الموبقات، ولم يحاول إيقاف فورة النفس في حدود معينة في أيام الصبا والشباب، تعسّر عليه ذلك بعد تلك المرحلة.

يقول شاعر:

وما أقبح التفريط في زمن الصبا           فكيف به والشيب للرأس شامل

إنّ النصائح والإرشادات الدينية، والنصوص الشرعية المختلفة، لم تصدر لفئة معينة دون فئة أخرى، بل هي للجميع للشباب والشيوخ والرجال والنساء، وقد كانت كوكبة من الشباب تحيط برسول الله (ص)، وكانوا أكثر التصاقاً به، وكان هو أشدّ اهتماماً بهم، فكان التركيز على هؤلاء الفتية في التوجيه والإرشاد أكثر من غيرهم... ثمة نصائح وإرشادات وتعاليم خصّ الرسول (ص) بها مجموع من أهل بيته وأصحابه وجلّهم من الشباب، ومن ذلك ما خاطب به أبا ذر الغفاري رضوان الله عليه، قائلاً:

"يا أبا ذر، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحّتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنّك لا تدري ما اسمك غداً".

وسألت عائشة رسول الله (ص)، قالت: يا رسول الله هل يُحشرَ مع الشهداء أحَدٌ؟

قال (ص): "نعم، مَن يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرّة، لأنّ ذكر الموت يوجب التفاني عن دار الغرور، ويميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوّي القلب بمواعد الله...".

 

المصدر: كتاب رحلة إلى أعماق النفس (السيد عبدالحسين القزويني).

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع مكتب آية الله العظمى السيد الشبيري الزنجاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.