قراءة في ظاهرة البكاء والبكاء على الحسين (ع)
تعتبر ظاهرة البكاء على سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) من الشعائر المنصوصة عند ذكر مصيبته.
وبما أنّ هذه الظاهرة بدأ عدد من شبابنا وشاباتنا يعتبرونها ظاهرة قديمة وفي طريقها إلى الانقراض. وترسيخاً لمفهوم هذه الظاهرة أقسم كلامي إلى ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: البكاء في القرآن والسنة.
النقطة الثانية: تاريخ البكاء على الإمام الحسين (ع).
النقطة الثالثة: أهداف البكاء على الحسين (ع).
البكاء في القرآن والسُّنّة:
البكاء في اللغة: قبل الكلام عن البكاء في القرآن الكريم لابدّ من ذكر المعنى اللغوي للبكاء، البكاء لغة: هناك أربع مفردات لابدّ من بيانها (بكاء وبكا وعويل ونحيب).
البكاء: خروج الدمع من العين.
والبكا: بدون همزة خروج الدمع من العين مع الصوت.
العويل: خروج الدمع من العين مع الصراخ.
والنحيب: هو البكاء الشديد.
في القرآن الكريم قسّم القرآن البكاء إلى قسمين: بكاء صادق وبكاء كاذب. والبكاء الصادق له مظاهر عدة في القرآن منها بكاء الخشوع (وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء/ 109).
ومن البكاء الصادق بكاء يعقوب وحزنه على يوسف (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف/ 84)، وغيرهما من مظاهر البكاء الصادق.
وأما البكاء الكاذب كبكاء إخوة يوسف (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ) (يوسف/ 16). وغيرها من مظاهر البكاء الكاذب.
إذاً فظاهرة البكاء ليست ظاهرة بدعية كما يتصور البعض، بل أنها ذكرت بكلِّ صراحة في القرآن الكريم، وبكاء يعقوب كان بكاء حزن على يوسف، ويذكر الفخر الرازي في تفسيره بأنّ يوسف سأل جبرائيل هل لك علم ببكاء يعقوب؟
قال: نعم.
قال: وكيف حزنه؟
قال: حزن سبعين ثكلى.. إلى أن قال: فهل له فيه أجر؟
قال: نعم أجر مئة شهيد.
ويعقوب نبيّ معصوم فلا يمكن أن يفعل حراماً، والحال أنّ بكاءه على يوسف استوعب حياته كلّها وهو يعلم علماً يقينياً أنّ ولده حي يرزق.
في السُنّة الشريفة فقد قام الإجماع بين المسلمين انّ النبيّ (ص) بكى على وفاة ولده إبراهيم، وقال: "إنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".
ومن ما ذكر نعلم انّ ظاهرة البكاء الصادق ظاهرة إنسانية شرعية تلبَّس بها الأنبياء وغيرهم.
واما ظاهرة البكاء الكاذب فهي ظاهرة شيطانية يتلبَّس بها البعض للأغراض الشيطانية.. وهذا تمام كلامنا في النقطة الأولى.
تاريخ البكاء على الحسين (ع):
ظاهرة البكاء على الحسين (ع) بدأت قبل ولادته وعند ولادته واستمرت إلى ما بعد الشهادة. أما قبل شهادته فقد بكى الأنبياء على الحسين (ع).
ولو قال قائل هذا هراء وغلوٌ!! فكيف يبكي الأنبياء على الحسين وهو لم يولد بعد؟ ونجيب على هذا السائل الاحتجاجي فنقول: إننا نثبت هذه الحقيقة بثلاثة أدلة:
1- الدليل العقلي: انّ جميع المسلمين يعتقدون بأنّ الأنبياء كلّهم عائلة واحدة من آدم إلى الخاتم (ص)، فدعوتهم واحدة وخطهم واحد.
(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة/ 136).
ومن عقيدة المسلمين انّ الله لا يطلع الأنبياء على ماكان فقط بل يطلعهم على ما يكون أيضاً. فإذا أطلعهم الله على مصيبة الحسين (ع) وما ألم به من رزية تقشعر لها الفرائض وتبكي لها العيون دما، فليس من المعقول انّهم لا يبكون والحال انّ الحسين ابن رسول الله خاتم رسالاتهم وسيد بيت الأنبياء، ومن الطبيعي أن يواسي الأنبياء النبيّ (ص) في عزيزه الحسين.
2-الدليل الاعتقادي: من عقيدة المسلمين في الأنبياء انّهم يعلمون الآخرة وما يجري فيها كعلمهم بالدنيا، وكلّ ذلك بأمر الله تعالى.
وفي معتقداتنا انّ الحسين (ع) يقف في الآخرة جسد بلا رأس كما كان في كربلاء.
بالله عليك قل لي فإذا نظر الأنبياء إلى الصورة ألا يتساءلون عن حال الحسين!! فإذا ما علموا ألا يبكون!!
2- الدليل التاريخي: فقد زخرت المجاميع الروائية الإسلامية بالكثير من المنقولات عن بكاء الأنبياء على الحسين (ع).
منها: ما روي انّ نبي الله نوح لما ركب السفينة طافت به جميع الدنيا فلما مرّت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق فدعا ربه وقال: إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرائيل وقال: يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء (ص) وابن خاتم الأوصياء.
فقال ومن القاتل له يا جبرئيل؟ قال قاتله لعين سبع سماوات وسبع أرضين، فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه (البحار 44/ 24) وكذا نقل عن إبراهيم وموسى (المصدر نفسه: ص225 وص237).
ومن أراد الاطلاع فعليه بقراءة المصدر المذكور وغيره مثل كتاب كامل الزيارات فانّه قسّم ذلك إلى ثلاثة أبواب: على الأنبياء بشهادة الحسين ولعن الأنبياء لقاتل الحسين وزيارة الأنبياء له (ع).
وأما بكاؤه (ص) فقد نقل روايات كثيرة، ومن ذلك رواية أم سلمة (رض) قالت: "كان رسول الله (ص) جالساً ذات يوم في بيتي قال: لا يدخل عليَّ أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج رسول الله (ص) فاطلعت وإذا حسين في حجره، والنبيّ يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت والله ما علمت حين دخل فقال (ص): انّ جبرائيل قال: انّ أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء" (مجمع الزوائد 9/189).
أهداف البكاء على الحسين (ع):
لا يمكن التصور بأنّ التأكيد من الأئمة على البكاء والتباكي على الحسين عبثياً بل انّ فيه آثاراً كثيرة لها مردودها الإيجابي علينا في الدنيا فضلاً عن الثواب الأخروي.
من آثار البكاء عليه (ع) وهي تختلف باختلاف المعرفة:
أ- البكاء حزناً وأسى وفي مشاطرة النبيّ وأهل البيت في مصيبته في الحسين وهذا لا يخلو من الثواب.
ب- البكاء بقصد طلب الارتباط القلبي والقالبي بالرسول وأهل البيت (ع) وهذا النوع من البكاء هو الذي يؤكد عليه أهل العصمة. لأنّه يجعل الإنسان منصهراً في بوتقتهم (ع).
ت- انّ البكاء على الحسين يرسخ عند الإنسان القيم والمبادئ التي ضحّى الحسين من أجلها بالنفس والنفيس.
ث- انّ البكاء يبعث في الإنسان روح الثورة والصمود في وجه الباطل مهما قوي.
* خطيب وإمام جماعة – مملكة البحرين
المصدر: مجلة الكلمة/ العدد الخامس – محرم الحرام 1426هـ/ 2005م