الإحسان
بقلم الشيخ حسن عبد الله العجمي
من القيمِ الأخلاقيةِ التي دعت إليها الشريعةُ الإسلاميةُ وحثت عليها "الإحسان" وهو قولُ أو فعلُ ما هو حسن، قال الله سبحانه وتعالى آمراً بالإحسان ومؤكداً عليه: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)، وقال الله سبحانه وتعالى أيضاً: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
كما أنَّ القرآنَ الكريمَ رفعَ من منزلةِ الإحسانِ وقرنهُ بالتسليمِ لله سبحانه وتعالى ووصفهما بأنهما من أسمى وأرفعِ ما يتحلى به الإنسانُ المؤمنُ، فقال عزّ من قائل : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن) (النساء: 125). والمعنى : ليس أحدٌ أحسنَ ديناً ممن أخلصَ نفسه للهِ سبحانه وتعالى وجعَلَها سالمةً لا تعرف ربّاً ولا معبوداً سواه (وهو محسن) أي عاملٌ للأعمالِ الحسنةِ وتاركٌ للأعمالِ السيئةِ، وقال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: (وَمَنْ يُسْلِم وَجْهَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسِن فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (لقمان:22)، والمعنى : من يقرُّ لله سبحانه وتعالى بالإلوهية ويتذللُ ويخضعُ له سبحانه ويطيعُهُ في أمره ونهيه فهو ممن تمسك بالعروة الوثقى وهي حبلُ اللهِ المتين الذي لا يخافُ من تمسك به انقطاعَه.
وقد بين اللهُ سبحانه وتعالى ما للمحسنين من الجزاءِ الحسنِ فقال: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) (الزمر: 33-34)، والمعنى (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ) أي جاء بالأمرِ الذي هو صدقٌ، كالرسولِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم الذي جاء بالقرآنِ الكريمِ والشريعةِ الإسلاميةِ الصادقِةِ (وَصَدَّقَ بِهِ) أي والذي صدّقَ بمن جاءَ بالصدق، وصدّق بما جاء به كالمؤمنين الذين صدّقوا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلّم وصدّقوا بما جاء به من الشريعةِ والتعاليمِ الإلهيةِ، (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) أي أولئك هم الذين اتقوا اللهَ سبحانه ونكالَه بأن أطاعوه فيما أمرَ ونهى (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) أي للرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم والذين صدقوا به وبما جاء به ما يشاؤون في الجنةِ من أنواعِ النعيمِ والملذاتِ الجسميةِ والروحيةِ (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) أي ذلك جزاء الذين أحسنوا في العقيدةِ والعملِ، فكانت عقيدتُهم حسنةً وكان عملُهم حسناً.
وأوصى اللهُ سبحانه وتعالى بالإحسانِ إلى فئاتٍ من الناسِ وجعلهم أولى من غيرهم في ذلك أولهم: الوالدان لما لهما من الفضلِ العظيمِ، ولم يكتفِ بالدعوةِ إلى الإحسانِ إليهما بل حدّد كيفيةَ معاملتِهما بما يكشف لنا أروعَ مثلٍ في السموِّ الخلقي، قال الله سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: 23-24).
فأولُ ما يطالعنا به هذا النصُّ القرآنيُّ أن اللهَ سبحانه وتعالى قرنَ الإحسانَ للوالدين بعبادتِهِ ثم فصّل ما يجبُ من الإحسانِ إلى الوالدينِ وخصوصاً عندما يَصِلانِ إلى حالِ الضعفِ أو العجزِ في آخرِ العمرِ، وأمر بأن يتبعَ معهما أموراً خمسة وهي غايةُ ما يصدر عن الإنسانِ من المعاملةِ الحسنةِ.
أولاً: أن لا يتأفف من شيء يراه منهما.
ثانياً: أن لا يُنغص عليهما بكلام يزجرهما به.
ثالثاً: أن يقول لهما قولاً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام.
رابعاً: أن يتواضع لهما تواضعاً مقروناً بالرحمة، وقد مثلّ كيفية هذا التواضعِ بحالِ الطائرِ إذا أرادَ ضمَّ فرخِهِ إليه فإنه يَخْفُضُ له جناحه بحنوٍ.
خامساً: أن يدعو اللهَ سبحانه وتعالى لهما أن يرحمَهما عِرفاناً من الأبناءِ بالجميلِ الذي قدمَهُ الوالدانِ لهم.
وفي آيةٍ أخرى قال الله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء: 36).
فخص اللهُ سبحانه وتعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ بعضَ الناسِ بالإحسان ، فأمر فيها بالإحسانِ إلى الوالدين، وإلى ذي القربى وهم أقرباءُ الإنسانِ من أخٍ وأختٍ وأولادٍ وعمٍ وخالٍ وعمةٍ وخالةٍ وغيرٍهم من أقرباء الإنسان، ثم أمر سبحانه وتعالى في هذه الآية أيضاً بالإحسانِ إلى فئات أخرى من الناس فأمر بالإحسانِ إلى اليتامى وهم الذين مات آباؤهم وهم صغارٌ لم يبلغوا سنَّ البلوغ، وإلى المساكينِ وهم الفقراء، وأمر سبحانه أيضا بالإحسانِ إلى الجارِ القريبِ والبعيدِ، كما أمرَ بالإحسان إلى (الصاحب بالجنب) وهو الرفيقُ في سفرٍ أو صناعةٍ أو عملٍ أو دراسةٍ ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى ابن السبيل وهو المسافرُ المنقطعُ عن أهلِهِ وبلدِهِ الذي ليس له مال يمكنه به من الرجوعِ إلى أهلِهِ وبلدِهِ ، وكذلك أوصى سبحانه بالإحسان إلى ما في يدِ الإنسانِ من الرقيقِ بِعِتْقِهِم وتحريرِهم أو بحسنِ معاملتهم.