أهل الحق وأهل الباطل
إعداد: أسرة البلاغ
أهل الخطايا وأهل التقوى:
إنّ لأهل الحقّ صفات يعرفون بها، وكذلك أهل الباطل فلكلّ منهما أهل كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " ألا وأنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخُلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، إلا وأن التقوى مطايا ذُلُل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة، حق وباطل ولكل أهل...".
في هذا الكلام قسم عليه السلام الناس إلى قسمين لا ثالث لهما أهل الحق وأهل الباطل، وذكر مميزات لكل منهما، فأهل الباطل يتميزون بأنهم ركبوا الخطايا، فلم يستطيعوا السيطرة عليها لأن الشهوات هي التي تدفع الإنسان إلى الخطايا، فإذا سلم الإنسان نفسه لها سلبته عقله وتملمت به وأفلت زمام نفسه وقيادها من يده فكانت كالخيل الشمس الصعبة التي لا يستطيع صاحبها التحكم بها، ومن ترك العقل كان كمن أفلت الزمام من يده فقادته نفسه إلى الهلكة، ورمته في نار شهواته.
هؤلاء كان الحقّ تبعاً لأهواهم ولم تكن أهواؤهم تابعة للحقّ فيميلوا إليه ويعملوا له، وتكون أهواؤهم فيه، لذلك تركوا كتاب اللَّه كما تركوا العقل، وعملوا فيه بآرائهم.
كما ورد عنه عليه السلام في صفات الفساق: "قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه...".
أما أهل التقوى فاعطوا قياد أنفسهم ولجامها للعقل، فأمسكوا بها، وذلّت لهم، فكانت كالخيل المدربة الذليلة والسهلة، فابتعدوا بها عن الهالك واتقوا بها الشهوات فنجوا من العذاب ونالوا السعادة في الدنيا والآخرة.
أهل اليقين وأهل العمى: كان أولياء اللَّه على يقين وطمأنينة لا تضلهم الشبهات، ولا تغويهم الشهوات على عكس أعداء اللَّه الذين لا دليل لهم إلا العمى.
عنه عليه السلام: "إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولياء اللَّه فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء اللَّه فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى".
لذلك كان أهل اليقين من أهل البصائر، وضح الطريق أمامهم واستنار فسلكوا سبيل الحقّ ونهجه عنه عليه السلام: "قد انجابت السرائر لأهل البصائر ووضحت محجة الحق لخابطها...".
فمن كان من أهل التقوى كان العدل هو ديدنه وأول ما تظهر آثار عدله على نفسه حيث ينهاها عن الهوى واتباع الشهوات والميل إليها، ويقول الحق ويعمل به.
أهل العدل، وأهل الهوى:
عنه عليه السلام في صفات أهل التقوى: "فكان أول عدله نفي الهدى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به".
فهو يعمل بالحق ولو كان على خلاف أهوائه ومصالحه وفائدته بل حتى لو جر عليه المصائب، والابتلاءات المختلفة ويترك الباطل مهما حقق له من المكاسب والفوائد ومتاع الدنيا ومناصبها وتسبب له بالفقر والنقص في المال. من هنا كان من يمتاز بهذه الصفة من أفضل العباد عند اللَّه ( عزَّ وجلّ).
فقد ورد عنه عليه السلام :
"إنّ أفضل الناس عند اللَّه من كان العمل أحب إليه وإن نقصه وكرثه، من الباطل وإن جرَّ إليه مائدة وزاده".
ولذلك ينهى الإمام عليه السلام من أراد أن يكون من أهل الحق عن الأنس بغير الحق، وأن لا يستوحش إلا من الباطل، لأن الباطل كما مر مصيره إلى النار والهلاك ولو عرفه المرء لاستوحش منه، والحق مصيره إلى الجنة والسعادة واليقين.
عنه عليه السلام : "لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك....".
فمن قبل الدنيا يحبه أهل الباطل ويعطونه الأمان.
أهل الجهل وأهل الباطل :
لكن هناك من الناس من يطلب الحق إلا أنه يخطئ فيقع في الباطل بسبب جهله، ولأنه لم يحصن نفسه بالعلم ليستطيع التمييز بين الحق وسراطه وأهله، والباطل وسبله وأهله وهناك من يطلب الباطل فيدركه، فهذا من نيته منذ البداية طلب الباطل على عكس الأول وهذا هو الفرق بينهما، لذلك لا يستوي هؤلاء في الحكم، فإن من طلب الحق فوقع جهلاً في الباطل، لو عرف أنه باطل لتركه، دون من قصد الباطل وسعى للوصول إليه.
لذلك روى أنه عليه السلام نهى من قتال الخوارج من بعده بقوله: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه...".
الإفراط في الحب والبغض :
وهناك من الناس من يذهب به حبّه إلى درجة الافراط؛ لما مر من عدم اتزانه وتقيده وانقياده للعقل، فيصل به إلى درجة الغلو واعطاء العبد صفات إلهية، أو نسبة الألوهية إليه أو الربوبية، مما يعتبر كفراً وشركاً.
والبعض الآخر بسبب الإفراط أيضاً، وعدم التزامه بقواعد وموازين واقعية وصادقة وبعيدة عن الأهواء الشخصية، والنوازع القبلية أو العرفية أو غيرها، يصل به البغض إلى حدٍّ يعادي أولياء اللَّه ويقاتلهم ويبعد الناس عنهم.
كلا هذين الشخصين من أهل الباطل وهما من الهالكين كما عبر الإمام في الحديث المروي عنه: "وسيهلك في صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق...".
آثار ترك الحق: مما مر يظهر أن للعمل بالحق أو تركه آثار ونتائج، فلا شك أن ترك الحق له نتائج سلبية وسيئة على صعيد الشخص والمجتمع وفي الدنيا والآخرة، فنورد بعض هذه النتائج بحسب ما ورد في نهج البلاغة:
1- الوقوع في مفاسد الباطل:
وهذا أمر واضح ونتيجة حتمية فما بعد الحقّ إلا الضلال.
عنه عليه السلام: "ألا وأنه من لا ينفعه الحقّ يضره الباطل ألا ومن لا يستقيم به الهدى يجره الضلال إلى الردى".
فالنتيجة إذن أن يضره الباطل وأول أضراره أن يجره إلى الردى، ويبعده عن الاستقامة والهداية.
2 - ترك الدفاع والممانعة عن البلاد، وعدم نصرة الأئمة:
الحق لا يدرك إلا بالسعي والبذل والعطاء، فمن لم يكن مراده الحق، ولم يكن جدّياً ومجدّاً في إرادة الحق. وكان له أهواء أخرى تحركه، فإنّ نتائج ذلك أن لا يدافع عن الحقّ ويغفل عن منافعه ويقصر نظره على المنافع الآنية، فلا يدافع عن داره، ولا يقاتل مع أمير الحق وإمام الحق وقائد الحق، فإن لم يدافع عن داره ولا يقاتل مع أميره ومولاه الحق، فهل سيدافع عن دار غيره وبلاد غيره، ومع أي إمام سيقاتل إن لم يقاتل مع الحق.
عنه عليه السلام:"لا يدرك الحق إلاّ بالجد، أي دارٍ بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون...".
3 - استيلاء الشيطان على الإنسان:
هذا ما نستفيده مما روي عنه عليه السلام: "... ولو أنّ الحق خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث فيمزجان! فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه...".
فإنّ ترك الحقّ واتباع الباطل ولو لاشتباهه بالحقّ يوقع الإنسان في شباك الشيطان ويستولي عليه ويتحكم به حتى يصير من أوليائه وأنصاره وعمّاله.
4 - الوقوع في المغالاة أو المعاداة والبغض:
كما مر في ما روي عنه عليه السلام في هلاك الصنفين: المحب والمبغض قوله:"هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قال".
5 - زوال النعمة:
عنه عليه السلام: "إن للَّه في كل نعمة حقاً فمن أداه زاده منها، ومن قصّر فيه خاطر بزوال نعمته".
اللَّه (عزَّ وجلّ) وعد عباده بنصرتهم وباغداق النعم عليهم إذا نصروه وأقاموا حكمه واستقاموا على طريقته وأطاعوه، بل حتى لو لم يعبد اللَّه عباده، فإنهم إن أقاموا الحق والعدل بينهم ستستقيم حياتهم وتصلح ويعمها الخير والصلاح والطمأنينة، ولا يخاف أحد جوراً أو ظلماً أو نقصاً وعمّت الرحمة الإلهية:
"رحم اللَّه رجلاً رأى حقاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فردّه، وكان عوناً بالحق على صاحبه".
فإذا تركوا الحقّ ولم يؤدوه إلى اللَّه وإلى بعضهم البعض زالت النعم، وعمّ الظلم، ولم تصل الحقوق إلى أهلها، وشب الخلاف والتنازع والتباغض والتقاتل والتفرق وهكذا إلى نهاية الفساد.
6 - الشقاء اللازم:
عنه عليه السلام: "فإن اللَّه قد أوضح لكم سبيل الحق، وأنار طرقه، فشقوة لازمة أو سعادة دائمة، فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء".
فمن سار في طريق الحقّ الواضح وغير الخفي الذي أضاءه اللَّه وأوضحه، من خلال العقل الذي هو الدليل الباطن وعن طريق الهداة الأنبياء الأئمة عليهم السلام فإنّ حصاده هو السعادة الدائمة، وبغير ذلك يكون جزاؤه وثمار عمله ملازمة الشقاء له في الدنيا والآخرة، في الدنيا بهمومها والشقاء في حفظها، وفي الآخرة بعذابها وعقابها وحسابها.
لذلك ولما مر كله يجب على الإنسان أن يعرف الحق وأنه ما يبقى، ويصدقه وينصر بالأعمال فإنها الباقيات، ويعرف أهله فهم الخالدون في السعادة الدائمة والنعيم المقيم، ويعرف أسباب الجهل به ونتائج تركه وخذلانه فيتقيها بالعلم والعمل.
خلاصة
1 - من كان من أهل التقوى كان العدل هو ديدنه وأول ما تظهر آثار عدله على نفسه حيث ينهاها عن الهوى واتباع الشهوات والميل إليها، ويقول الحق ويعمل به.
2 - إن الإنسان المؤمن يعمل بالحق ولو كان على خلاف أهوائه ومصالحه، بل حتى لو جر عليه المصائب، ويترك الباطل مهما حقق له من المكاسب والفوائد ومتاع الدنيا ومناصبها.
3 - هناك من الناس من يذهب به حبّه إلى درجة الافراط, وذلك بسبب عدم اتزان عواطفه وانقيادها للعقل، فيصل به إلى درجة الغلو واعطاء العبد صفات إلهية، أو نسبة الألوهية إليه أو الربوبية، مما يعتبر كفراً وشركاً.
4- وهناك بعض الناس بسبب إفراطهم وعدم التزامهم بقواعد وموازين واقعية وصادقة وبعيدة عن الأهواء الشخصية، وبسبب النوازع القبلية أو العرفية أو غيرها، يصل بهم البغض إلى حدٍّ يعادي أولياء اللَّه ويقاتلهم ويبعد الناس عنهم.
5 - كلا هذين الصنفين من الناس من أهل الباطل وهما من الهالكين.
6 - من آثار ترك الحق:
1 - الوقوع في الباطل ومفاسده لأنه لا حد وسط بين الحق والباطل.
2 - ترك الدفاع والممانعة عن البلاد، وعدم نصرة الأئمة عليهم السلام، كما حصل مع من ترك نصرة الإمام الحسين عليه السلام.
3 - استيلاء الشيطان على الإنسان.
4- الوقوع في المغالاة أو المعاداة والبغض.
5 - زوال النعمة.
6 - الشقاء اللازم.