نبذة مختصرة عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله               ولادة الرسول الأكرم ومنطلقات الوحدة الإسلامية               النبوة لطف               التربية بالقدوة الحسنة               عملي وعملكم                كلّا إنّها كلمة هو قائلها                 الله والتغيير                التربية بالقدوة الحسنة                القرآن وتربية الإنسان                 الشّباب ووقت الفراغ               
  الرئيسية
  من نحن ؟
  من خدماتنا
  مواقع مهمة
  كشوف مالية بمساعداتنا
  المكتبة
  أنشطتنا
  المساهمات الخيرية
  الركن الاجتماعي
  أسئلة وأجوبة
  معرض الصور
  بحوث ومقالات
  اتصل بنا
 
عدد الزوار
183380
بحوث ومقالات > بحوث ومقالات أخلاقية
 
 
تأملات في فقه الغيبة - الحلقة الثانية
مكتب الشؤون الفقهية بأوقاف اللواتية - 2015/06/18 - [المشاهدات : 2449]
 

تأملات في فقه الغيبة

-2-

بقلم: الدكتور محمد صالح العجمي

 

 

تحدثنا فيما سابق عن إطار نظري يتعلق بالغيبة -ربما كنتم من المتابعين له -كان يتعلق بالقضايا الآتية: (مفهوم الغيبة، وأنواع الغيبة، وبواعث الغيبة)، ونستكمل الحديث في هذا الموضوع؛ كمحاولة جادة للفت الانتباه إلى ضرر هذا المرض العُضال، وضرورة الابتعاد عنه، والإقلاع عن ممارسته، فقد بات متفشيا في مجالسنا وأنديتنا، حتى أصبح إتيانه أمراً عادياً بين كثير من الناس من غير مستنكر ولا مستنكف!!!

1.   من أحكام الغيبة...

*حكم استماع الغيبة...

المستمع للغيبة أحد المغتابين، وهذا واضح في قوله "صلى الله عليه وآله": (السامع للغيبة أحدُ المغتابين)، وقال الإمام الصادق "عليه السلام": (الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك)، إذ أنه لولا وجود السامع واستماعه أو إنصاته لم تتحقق الغيبة، وعلى هذا الحكم شواهد كثيرة، منها:

أ-رواية عن أمير المؤمنين "عليه السلام" حيث روى أن اثنين من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كانا حاضرين في إقامة حدّ الزنا على شخص فلما رُجم هذا الشخص، قال رجل منهما لصاحبه: "هذا أقعص كما يقعص الكلب"، فمر النبي "صلى الله عليه وآله" معهما في طريق العودة بجيفة، فقال لهما: انهشا من هذه الجيفة!! فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة!!! فقال: "ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه". لاحظ أن النبي "صلى الله عليه وآله" هنا أشرك في الحكم المغتاب والسامع للغيبة الراضي بها غير الراد عليها.

ب-قال "صلى الله عليه وآله": "(من أُغتيب عند أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة).

ج-قال "صلى الله عليه وآله": (ما من رجل ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره ولو بكلمة ولم ينصره إلاّ أذله الله عز وجل في الدنيا والآخرة، ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة).

د-قوله "صلى الله عليه وآله" في إحدى خطبه: (أيها الناس ما عُمّر مجلسٌ بالغيبة إلاّ خرب من الدين، فتجنّبوا الغيبة، ونزهوا أسماعكم من استماعها فإن القائل والمستمع لها شريكان في الإثم، وإن الله تبارك وتعالى توعدهما بإنزال العقاب الأليم في الدنيا والآخرة).

هـ-يقول الإمام السجاد "عليه السلام" في بعض أدعيته في الصحيفة السجادية في الاعتذار من تبعات العباد وفي الاعتذار عن التقصير في حقوقهم: (اللهم إني أعوذ بك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره).

والخلاصة أن المستمع للغيبة لا يخرج عن إثم الغيبة ووزرها، فهو شريك فيها وعنصر من عناصرها، إلاّ بأن ينكر بلسانه، كأن يقول للمغتاب بلفظ يتضح فيه الإنكار: اسكت لا تهتك عرض أخيك المؤمن، أو يقول له: اتق الله ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد، أو أن يقول له: الغيبة جهد العاجز وآية المنافق، أو أن يقول له: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، أو أن يقطع عليه الكلام بكلام آخر فيحول مسار الكلام السيئ إلى كلام فيه صلاح وفلاح للجلساء جميعاً، أو أن يقوم من المجلس مبدياً استنكاره وغضبه قربة لله تعالى، ونصرة لأخيه الذي هُتكت حرمته في ذلك المجلس، وإن لم يقدر على شيء من ذلك فلينكر بقلبه وهذا من أضعف الإيمان.

أضف إلى معلوماتك

*ما حكم من ينكر بلسانه ويظهر التكلف على قسمات وجهه إنكاراً ولكن قلبه راض بالغيبة؟ هو شريك في الغيبة؛ لأنه واقعاً راض بها، فمن يخادع هذا المسكين يخادع نفسه وجلساءه، أم يخادع ديان يوم الدين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور!!!

*ما الفرق بين النهي عن الغيبة والرد عليها؟

- النهي: هو نهي المغتاب عن القيام بفعل الغيبة، على اعتبار أنها سيئة كبيرة، مثال: أتق الله ولا تهتك عرض أخيك المؤمن، تجنب غيبة إخوانك...

- الرد: أعلى درجة من النهي، فهو يتضمن الانتصار لمن وقعت عليه الغيبة بما يتناسب مع درجة الغيبة ومع مقامها، مثال: أخي الكريم إن ما ذكرته من أن عمراً رجل بخيل، هذه صفة غير صحيحة فأنا أعرفه جيداً وملازماً له منذ فترة طويلة، هو رجل كريم في السر والعلانية، فاتق الله واستغفر لذنبك.

*هل هناك موارد يسقط فيها الرد على الغيبة؟

- إذا كان الرد على الغيبة سيؤدي إلى مزيد من الإغراق في الغيبة فهنا يسقط الرد، ولا خير في أن تستمر الغيبة من خلال سجال الحديث بين الطرفين المغتاب والراد، والوقوف عند حد غيبة واحدة خير من الانغماس في حد عشر غيبات؛ وذلك لأن حرمة المؤمن عند الله تعالى مصونة وعزيزة فهي أشد من حرمة الكعبة. (لا تطلب المصلحة بالمفسدة).

- إذا كانت الغيبة من ضمن الموارد المرخصة، كغيبة المتجاهر بالفسق، وغيبة الظالم في مقام الشكاية منه، وفي مقام نصح المستشير، ...

*ما حكم المستمع للغيبة إذا شك في أن ما يذكر هو من الموارد المرخصة للغيبة؟

- يحتاط بترك الاستماع إليها، والنهي عنها، كأن يقول للمغتاب: أخي لعلك مشتبه في هذا الكلام، والأحسن أن تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

2.ذم الغيبة...

أ-قال الله تعالى: (وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات 12). تدل هذه الآية دلالة قاطعة على حرمة الغيبة؛ فالنهي فيها من الأعلى إلى الأدنى وهو حقيقي على سبيل الإلزام، ويشدد القرآن الكريم على حرمة الغيبة والنهي عنها؛ لما لها من آثار سيئة على الفرد في دنياه وآخرته وعلى المجتمع عموما، وبنظرة تحليلية على هذه الآية فيمكن مطالعة المضامين الآتية:

*(وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) لا يتناول بعضكم بعضاً بظهر الغيب بما يسوؤه، وفيه إشارة إلى أنَّ عرض الإنسان كلحمه، وأنه كما يحرم أكل لحم الإنسان يحرم الاستطالة على عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتشنيع على فاعلها ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية، وتستقذره الجُبْلة البشرية، فضلاً عن كونه محرماً شرعاً، وقوله تعالى:  (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فكما كرهتم أكل لحوم إخوتكم أمواتاً فاجتنبوا الغيبة وابتعدوا عنها فإنهما في الميزان سواء.

*( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) اتقوا الله: اخشوا الله وخافوا عذابه، واجتنبوا الوقوع في الغيبة التي زجر عنها وحذّر من الوقوع فيها، (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ): تأكيد على أن التوبة محمودة من فعل الغيبة ومن غيرها من الذنوب الأخرى، فدلالة التصدير بإنَّ للتأكيد، وكلمة توّاب تفيد كثرة التوبة على العباد (صيغة مبالغة)، وكلمة  (رحيم) بمعنى: المتجلي على عباده بالنعمة والخير، وهي تفيد شدة الرحمة بهم من خلال دعوتهم إلى ما يحسن حياتهم بالابتعاد عن الغيبة ومسبباتها، ويُستنتج مما سبق أن الإقلاع عن الغيبة والتوبة منها أمر يحث عليه الشارع المقدس.

*تأمل التصوير البياني في قوله تعالى في الآية: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) حيث صوّر غيبة الأخ بأكل لحمه ميتاً، وهي صورة مقذعة مقززة. ثم تأمل كيف أنزل الباري المستغاب منزلة الأخ، أليس في ذلك قوة للعُلقة الاجتماعية، فكيف يستغيب الأخ أخاه!!

ب-قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور 19) من خلال التمعّن في مدلول هذه الآية يتبين أن العاقل من اجتنب الغيبة وأعرض عنها وصان لسانه عن التلفظ بها، وكرم أفعاله من الهوي في منزلقها، وتصامم عن الاستماع إليها، وليعلم المغتاب أنَّ طمعه في السلامة بعيد المنال؛ فهو أبغض الخلائق إلى الله، وملعونٌ في سجل الأولين والآخرين حتى قيام يوم الدين إلا أن يتوب ويُقلع، وهو ممقوت خفيف الوزن لدى جماعته وفي مجتمعه، وتأمل في قوله: (يُحِبُّونَ) بمعنى أن المستغيب يستمتع بفعل الغيبة ويتلذذ بها؛ لأنه مريض غير سويّ كبقية البشر في فطرتهم الطبيعية التي خلقهم الله عليها، ثم لاحظ توعّد الله له بالعذاب الأليم في الدنيا وفي الآخرة، وأي عذاب هذا سينزل به إن لم يتب، نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية في الدين والدنيا، وأن لا نكون ممن يهلك نفسه بلسانه. وفي هذا يروى عن الإمام الكاظم "عليه السلام" كما جاء في فروع الكافي ج8: (كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قَسَامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم، ولا تذيعنَّ عليه شيئا تشينه به، وتهدم به مروته، فتكون من الذين قال الله فيهم: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا..." ).

ج-قوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (النساء 148) تشير الآية إشارةً صريحةً صحيحةً إلى أن الجهر بالسوء من القول محرم ومذموم وأن الله يعاقب عليه عقاباً شديداً باستثناء المظلوم، فإنه مباح له أن يجهر بالسوء من القول بقدر مظلمته فقط لا يتجاوز ذلك ولا يشط، وفي هذه الآية إشارة إلى موضع من مواضع جواز الغيبة (غيبة الظالم في مقام الشكاية من ظلمه)، وبشكل عام يستنتج من هذه الآية الكريمة أن القول الحسن هو الممدوح والراجح فعلى المؤمن أن يتعود عليه، وأن يجهر به. والمقصود بالجهر بالسوء من القول: الكلام القبيح غير الراجح من لعن وغيبة وغيرهما إلاّ لضرورة مثل: اللهم حل بيني وبين فلان بن فلان واخذله وثبط همته وألق الرعب في قلبه، ويمكن أن يكون هذا القول في رد الغيبة أو الشكاية من الظالم بقدر ما يرفع الغيبة عن المستغاب فقط، ولا يجوز له أبداً أن يسترسل في الرد بأوصاف لم ترد في كلام المغتاب، مثال: اغتيب عمرو بأنه بخيل، فعند الرد يكتفي عمرو برفع صفة البخل عنه فقط، لا أن يكيل إلى زيد تهمة البخل وغيرها له ولأبيه وقومه، فبذا يتحول المظلوم إلى ظالم، يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)، ويقول تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ)، وهذا يحتاج إلى أن يراقب الإنسان نفسه عند الغضب خصوصاً ويكبح جماحها بميزان العدالة، وإنْ صبر المظلوم واحتسب أجره وثوابه عند الله تعالى فهو خير له وأوفى، وذلك بالتأمل في: وكان الله سميعاً لقول المظلوم وعليماً بظلم الظالم، وقال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏)، وليكن معلوماً كما أن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول فإنه لا يحب الإخفات أيضاً بالسوء من الإضمار في النية وما يتعلق بها، ولا يحب السوء من الفعل أيضاً؛ فالسيئ سيئ ومذموم.

وكما أن للقرآن الكريم إشارات في موضوع الغيبة فإن السنة الشريفة تزخر بأضعاف مضاعفة من الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي "صلى الله عليه وآله" وعن أهل بيته الطاهرين "عليهم السلام"، وهي جميعها تلقي الضوء على مغبّة الوقوع في هذه المعصية، ومنها مثلا:

د-قول الرسول "صلى الله عليه وآله" المروي في بحار الأنوار ج75: (ترك الغيبة أحبُّ إلى الله عز وجل من عشرة آلاف ركعة تطوّعاً)، عشرة آلاف ركعة تطوعاً !!! ولو افترضنا أنَّ كل ركعة تستغرق نصف دقيقة فمعنى ذلك أن الكف عن الغيبة أحبُّ إلى الله من ثلاثة أيام ونصف متواصلة من الركوع والسجود في محراب العبادة تطوعاً خلال خمسة آلاف دقيقة عبادية متصلة، لاحظ ما يصاحب هذا العمل العبادي من جهد بدني، وقوة إيمانية، وانقطاع للعبادة، وجهاد للنفس، والالتزام ببرنامج عبادي مخطط له، إلا أن أفضل من ذلك كله وأحب عند الله تبارك وتعالى الكف عن غيبة واحدة، ألا هل من متعظ؟ ألا هل من متدبر؟

هـ-قال النبي "صلى الله عليه وآله": (إيّاكم والغيبة، فإنَّ الغيبة أشد من الزنا) قالوا: وكيف الغيبة أشد من الزنا؟ قال "صلى الله عليه وآله": (لأن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإنَّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه)، في الزنا تختلط الأنساب، وتنتهك الأعراض، والزاني في عين الناس حقير شرير، إلا أن الغيبة أشد من الزنا، وكل هذه قرائن صريحة لعلنا نتعظ.

ح-قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": (من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته كانت أولُ خطوة خطاها وضعها في جهنم، وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق). فإن المشي إلى مجالس الغيبة وأنديتها مشي إلى النار وبئس القرار، وتناول الناس بالغيبة وكشف مستورهم يعني أن الله تعالى يفضح المغتاب يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وفي ذلك اليوم يكون العبد في أحوج ما يكون لستر الله عليه. وقد ورد في الدعاء: (يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ بَالْجَرِيرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، وَيَا عَظِيمَ الْعَفْوِ، وَيَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، وَيَا وَاسِع َالْمَغْفِرَةِ، وَيَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، وَيَا سَامِعَ كُلِّ نَجْوَى، وَيَا مُنْتَهَى كُلِّ شَكْوَى، وَيَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، وَيَا عَظِيمَ الْمَنِّ، وَيَا مُقِيلَ الْعَثَرَاتِ ... ) هذا الستر يهتكه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ لأن المغتاب أصلاً يهتك المستور عن الخلائق. إذن فعلينا أن نتذكر أن أي عمل نقوم به سيرتد علينا أثره في الدار الآخرة فاعمل لنفسك ما ترتضيه وتحبه.

ط-قول الإمام علي "عليه السلام": (لا تعوّد نفسك الغيبة فإن مُعتادها عظيم الجرم) إلا أنه يطيب لبعض المرضى من الناس أن يعتاد على الغيبة ويعتبرها ممارسة تلقائية، فهو (عظيم الجرم) !!!

ي -عن الإمام علي "عليه السلام": (إياك والغيبة فإنها تمقّتك إلى الله والناس وتحبط أجرك)، يحذّر الإمام علي "عليه السلام" من الغيبة بلهجة شديدة، لأنها تمقّتُ العبد عند ربه؛ فينظر إليه نظرة غضب وعذاب، وتُبطل أجره وثوابه، ولهذا ورد في الروايات الصحيحة أنه: (يؤتى بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله ويدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي! فإني لا أرى فيه طاعاتي!! فيقال له: إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي! فإني ما عملت هذه الطاعات!! فيقال: لأن فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك).

ك-عن نوف البكالي، قال قلت لأمير المؤمنين "عليه السلام" عظني فجعل يعظه ... إلى أن قال له زدني فقال "عليه السلام": (اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار) ثم قال: (يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة). (وسائل الشيعة م8، الباب 152، ح16) فالمغتاب للناس لم يولد من الحلال، وهو مشكوك في نسبه، وأمير المؤمنين "عليه السلام" أصدق الصادقين بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فاجتنبوا الغيبة عباد الله ولا تثيروا علامات الاستفهام على طهارة مولدكم!

ل-روي عن الإمام الحسين "عليه السلام" أنه قال لرجل اغتاب عنده رجلا: (يا هذا كفَّ عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار) والأحاديث التي تنزل المغتاب منزلة كلاب النار كثيرة، ومنها مثلا، قول الإمام الصادق "عليه السلام" (إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار)، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه ويردها إلى سبيل الرشاد.

وفي ذم الغيبة يروى كما جاء في آمالي الصدوق عن الإمام الرضا "عليه السلام" قال: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: إذا أصبحت فأوّل شيء يستقبلك فكله، والثاني فاكتمه، والثالث فاقبله، والرابع فلا تؤيسه، والخامس فاهرب منه. فلمّا أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم فوقف، وقال: أمرني ربّي عزّ وجلّ أن آكل هذا، وبقي متحيراً، ثمّ رجع إلى نفسه فقال: إن ربّي جلّ جلاله لا يأمرني إلاّ بما أطيق، فمشى إليه ليأكله، فلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها، فوجدها أطيب شيء أكله، ثمّ مضى فوجد طستاً من ذهب فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا فحفر له وجعله فيه، وألقى عليه التراب، ثمّ مضى فالتفت فإذا الطست قد ظهر، قال: قد فعلت ما أمرني ربي عزّ وجلّ، فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي فطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربّي عزّ وجلّ أن أقبل هذا، ففتح كمّه فدخل الطير فيه، فقال له البازي: أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام، فقال: إن ربيّ عزّ وجلّ أمرني أن لا أويئس هذا، فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه ثم مضى، فلمّا مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدوّد، فقال: أمرني ربي أن أهرب من هذا، فهرب منه ورجع .. ورأى في المنام كأنّه قد قيل له: إنّك قد فعلت ما أُمِرت به، فهل تدري ماذا كان؟.. قال: لا، قيل له:  أما الجبل: فهو الغضب، إنّ العبد إذا غضب لم ير نفسه، وجهل قدره من عظم الغضب، فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه، كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها، وأمّا الطست: فهو العمل الصالح، إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزّ وجلّ إلاّ أن يُظهره ليزينه به، مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة وأمّا الطير: فهو الرجل الّذي يأتيك بنصيحة، فاقبله واقبل نصيحته، وأمّا البازي: فهو الرجل الّذي يأتيك في حاجة فلا تؤيئسه، وأما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها.

نعم علينا جميعاً أن نهرب من شر الغيبة وشينها ولا نقع في شراكها، فانتبهوا أيها المؤمنون فإن عاقبة المغتاب وخيمة، وأغلب الناس لا يلتفتون إلى أقوالهم وأفعالهم فيقعون في المحظور من حيث لا يعلمون، ويوردون أنفسهم موارد الهلاك، والحل أن يكون الإنسان متعقلاً في حديثه وفي روايته على الآخرين، والأفضل له أن يغلق هذا الباب، وقد قالت العرب قديماً: (لا تفتح باباً يُعيك سده).

وللحديث بقية ...

 
 
أضف تعليقاً
الاسم
البريد الإلكتروني
التعليق
من
أرقام التأكيد Security Image
 
 
 
محرك البحث
 
القائمة البريدية
 
آخر المواقع المضافة
موقع مكتب آية الله العظمى السيد الشبيري الزنجاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشّاهرودي
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
موقع سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
 
آخر الصور المضافة
 
آخر الصوتيات المضافة
الإمام المجتبى عليه السلام بين حكم التاريخ وحاكميته
ضوابط قرآنية في حل المشكلات
الإمام الصادق عليه السلام ومحاربة الإنحراف
من ثمار التقوى
وقفات مع علم النفس القرآني
 
آخر الكتب المضافة
العبادة والعبودية
آية التطهير فوق الشبهات
إرشاد الحائر إلى صحة حديث الطائر
حديث الغدير فوق الشبهات
رسالة مختصرة في الفطرة والمشكلة الإنسانية
 
آخر الأسئلة المضافة
س:

  هل یجوز للرجل الزاني الزواج بابنة المراة التي زنا بها؟

ج:

  یجوز والاحوط استحباباً تركه.