أحكام صلاة الآيات
الشيخ محسن عطوي
لقد اعتاد الإنسان منذ الأزمان السحيقة على مشاهدة عدد من الآيات الكونية والأرضية المدهشة، منها ما لا يسبب له الأذى مثل كسوف الشمس وخسوف القمر، ومنها ما يسبب له الخوف مثل الزلازل والبراكين، والإعصارات والفيضانات ونحوها، وهي أمور لا تزال تحدث في أماكن متعددة من الأرض وبانتظام.. مثل الإعصارات التي تضرب بعض شواطىء أميركا، ومثل بعض البراكين التي تنفث الدخان وربما الحمم في بعض المناطق، وفي بعضها تهتز الأرض في معظم الأحيان، وغالباً ما يتسبب ذلك بالخوف العظيم أو الدهشة البالغة أمام ما يراه الإنسان من معجزات الخلق وآيات التكوين.
وقد رغب الإسلام في أن نواجه ذلك بمزيد من الارتباط بالله عزّ وجلّ والتذكر له وتمجيد على بديع صنعه وعظيم قدرته، فشرّع صلاة الآيات عند حدوث ذلك، وأمر الإنسان بالاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه كي لا يشعر الإنسان بالانسحاق أمام الخوف الذي يعتريه ويأوي إلى ركن وثيق كلما اشتدت الخطوب والمحن.
ويقع الكلام في هذه الصلاة في عدة مباحث:
المبحث الأوّل: في أسبابها:
تجب صلاة الآيات عند حصول كسوف الشمس وخسوف القمر، سواء كان ذلك جزئياً، أي موجباً لاستتار جزء من قرص الشمس أو القمر، أم كان ذلك كلياً، أي موجباً لظلمة القرص بأكمله، وسواء حصل الخوف بسبب ذلك أم لم يحصل.
وتجب صلاة الآيات عند حصول كلّ آية أرضية أو سماوية، مثل الهزات والزلازل والإعصار والبراكين، سواء كانت مخيفة أم لم تكن مخيفة، إذ المهم أن تكون أمراً خارقاً باهراً أو آية مدهشة.
وهنا هنا مسائل:
الأولى: لابدّ لحصول الخسوف والكسوف من ظهورهما وإدراكهما بالحواس العادية، فلو لم يظهر إلا للحواس الخارقة أو لآلات الرصد الدقيقة لضآلته وقلّته.. لم يوجب الصلاة.
الثانية: تثبت الآية ووقتها ومقدارها بالعلم.. وذلك كاليقين الناتج عن المعاينة والمشاهدة، وبشهادة العدلين أو العدل الواحد أو شهادة الفلكي، حيث لا إشكال في لزوم العمل بقول العدل الواحد أو الفلكي إذا حصل الاطمئنان لصدقهما.
الثالثة: يختص الوجوب بالمكلفين الموجودين في بلد الآية، وما يتصل بها مما يعد منها ويكون معها كالمكان الواحد، فلا تجب على سكان البلدان والأقاليم الأخرى.
الرابعة: تجب هذه الصلاة على كلِّ مكلف، أما المرأة الحائض والنفساء فإنّ الأحوط لهما أن تأتيا بهذه الصلاة بعد طهرهما من دون نية الأداء أو القضاء.
الخامسة: وقت الاتيان بصلاة الآيات يختلف باختلاف نوع الآية:
ففي حالة الكسوف والخسوف حيث يمتد زمن حدوث الآية لفترة من الوقت، يأتي بالصلاة عندما يبدأ الكسوف مثلاً بالتراجع والانجلاء إلى أن يحصل الانجلاء الكامل، لكن الأفضل الاحتياط بعدم نية الأداء أو القضاء في هذه الحالة، والأحوط استحباباً المبادرة إليها قبل الشروع بالانجلاء.
وأما في الآيات التي ليس لها وقت.. مثل الزلزلة.. حيث تحصل فجأة ولمدة يسيرة لا تسع الصلاة، فإنّه تجب المبادرة إلى الصلاة فور حدوثها، ومع عصيانه ذلك تجب عليه المبادرة بعد توبته ولو في آخر العمر، ويؤتى بها أداءً دائماً.
السادسة: إذا حصلت الآية ولم يعرف بها المكلف، فلوجوب القضاء عدة صور:
1- إذا لم يعلم بالكسوف أو الخسوف، وكان جزئياً، إلا بعد انتهاء الآية وانجلاء القرص لم يجب عليه القضاء.
2- إذا علم وأهمل أو نسي حتى انتهت الآية وكان الكسوف أو الخسوف جزئياً يجب عليه القضاء.
3- أن يحترق جميع القرص في حالة الخسوف أو الكسوف، فيجب القضاء في جميع الحالات.
4- في سائر الآيات غير الكسوف والخسوف، إذا علم بها وأخر الصلاة عمداً أو نسياناً يجب عليه الاتيان بها ما دام العمر.
وكذلك يجب الاتيان بها في حال عدم العلم وبعد مضي الزمان المتصل بها، وقد سبق القول إنّه يأتي بها أداءً.
المبحث الثاني: في كيفية الصلاة:
لصلاة الآيات طريقتان:
الأولى: ينوي (أصلي صلاة الآيات قربة إلى الله تعالى)، يكبر تكبيرة الإحرام، يقرأ الفاتحة وسورة، يركع، يرفع رأسه من الركوع ويبقى واقفاً دون أن ينزل إلى السجود، يقرأ الحمد وسورة، يركع، ثمّ يقف فيقرأ الحمد وسورة.. يفعل ذلك خمس مرات، فإذا رفع رأسه من الركوع الخامس يهوي ويسجد مرتين. فتتم بذلك الركعة الأولى.
ثم يقوم من سجوده واقفاً ويكرر الأعمال السالفة نفسها، ثمّ يسجد ويتشهد ويسلم، وينهي صلاته.
وهذه الطريقة هي الأفضل.
الثانية: ينوي كما سلف، يكبر تكبيرة الإحرام، يقرأ الفاتحة وآية من سورة.. أو آيتين أي جزءاً من سورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه منتصباً فيقرأ جزءاً آخر من السورة نفسها.. من دون حاجة لقراءة الفاتحة، ثمّ يركع، وهكذا.. كلما رفع رأسه من ركوع يقرأ جزءاً من السورة إلى أن يختم السورة في الركوع الخامس، فتتم الركعة الأولى بقراءة الفاتحة مرة واحدة مع سورة واحدة مجزأة على الركوعات الخمس، ثمّ يسجد مرتين ويقف ليشرع بالركعة الثانية ويفعل فيها كما فعل في الركعة الأولى.
ولا يصح إيقاء شيء من السورة إلى ما بعد الركوع الخامس بل لابدّ من إنهاء السورة قبل الركوع الخامس على الأحوط وجوباً، وإذا انتهت السورة مثلاً في القيام الثالث أو الرابع وجب عليه قراءة الفاتحة وسورة جديدة.
وخلاصة الطريقتين:
أنّ المصلي مخير بين أن يقرأ قبل كلّ ركوع الفاتحة والسورة، فيكون في كلّ ركعة قد قرأ الفاتحة خمس مرات والسورة خمس مرات وركع خمس مرات.
أو أن يقرأ الفاتحة مرة واحدة مع سورة مجزأة على خمسة ركوعات، فيكون في كلّ ركعة قد قرأ الفاتحة مرة واحدة وسورة واحدة وركع خمس مرات.
ختام في بعض آدابها ومستحباتها:
- يستحب فيها القنوت بعد كلّ ركوعين.. أي خمسة قنوتات في الركعتين.
- يستحب فيها التطويل خصوصاً في كسوف الشمس.
- يستحب فيها قراءة السور الطوال، مثل سورة (يس، والروم، والكهف).
- وأن يجلس في مصلاه مشتغلاً بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء.. أو يعيد الصلاة إذا فرغ من صلاته الأولى قبل تمام الانجلاء.
- ويستحب فيها الجماعة، ويتحمل الإمام القراءة من المأموم.. دون غيرها من الأقوال والأفعال.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 31 و32 لسنة 1992م