اللسان سلاح ذو حدين
الشيخ حسن عبد الله العجمي
قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
من أكبرِ النِّعمِ التي وهبها اللهُ سبحانه وتعالى للإنسانِ هو اللسان، وبه يتميّز الإنسان عن سائر الحيوان، واللسانُ سلاحٌ ذو حدين فبه تُعمل الطاعات وأعمالُ الخيرِ من ذكرٍ وتسبيحٍ لله وصلاةٍ ودعاءٍ وشكرٍ لله على نعمِهِ وآلائِهِ، وإصلاحٍ بين الناس، وغيرِها من مجالاتِ الخيرِ والطاعاتِ التي يكونُ اللسانُ وسيلةً في فعلها وممارستها، وبه تُرتكبُ المعاصي كالغيبةِ والنميمةِ والكذبِ والبذاءَةِ والبهتانِ وشهادةِ الزورِ، وقذفِ المحصناتِ وغيرِها من المعاصي مما يكون اللسانُ واسطةً في ارتكابها .
إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تدعو الفردَ المسلمَ إلى تهذيبِ لسانِهِ وتوجيهِهِ إلى فعلِ الخيرِ فقط والنأي به عن الشرِّ، والرّواياتُ المأثورةُ عن النبيِّ الأكرم ِصلى الله عليه وآله وسلّم والأئمةِ الطاهرين من أهل بيته عليهم جميعاً الصلاة والسلام في هذا المجال مستفيضةٌ نذكر منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر ما روي عن الإمامِ أميرِ المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ)، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ، فَلْيَفْعَلْ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ)، فمراده صلى الله عليه وآله وسلّم من قوله: (ما بين لحييه) اللسان. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إذا أَصبَحَ إبنُ آدَمَ أَصْبَحَتْ الأَعْضاءُ كُلُّها تَشْتَكِي اللِّسانَ أَي تَقُولُ إِتَّقِ اللهَ فِينا فَإِنَّكَ إِنْ اسْتَقَمْتَ إِسْتَقَمنا وَإِنْ إِعوَجَجْتَ إِعوَجَجنا)، وفي رواية أن الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ) فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ أَنَّه كَانَ عَلى الصَّفَا يُلَبِّي وَيَقُولُ: يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمُ مِنْ قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَهَذَا شَيءٌ تَقُولُه أَوْ شَيءٌ سَمِعْتَهُ فَقَالَ لا، بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَم في لِسَانِه).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (مَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ).
وينقل أن أعرابيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: أَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ فَكفَّ لِسَانَكَ إِلا مِنْ خَيْرٍ .
إنَّ خطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلاّ بالصمت، وقد حثت الروايات الشريفة على الصمت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (صمت يكسوك الكرامة خير من قول يكسبك النّدامة).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ( قال لقمان لابنه: إن كنت زعمت أنّ الكلام من فضّة فإنّ السكوت من ذهب).
نعم فليصمت الإنسان أو يتكلم بالخير.. لأنّ اللسان من نعم الله سبحانه وتعالى علينا لذلك يجب علينا أن نؤدي لله سبحانه وتعالى حق شكرِ هذه النعمة بأن نستعمله في الخير في ما يكون لله فيه رضا، فنصونَهُ من مبتذلِ القولِ وبذيءِ الكلام، وأن نجنبه الآفات التي تعود علينا بالضرر والخسارة، وأن نعوّده على ذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلوم النافعة والإصلاح بين النّاس وغيرها .
فضبط اللسان على مقتضى شرع الله سبحانه وتعالى من أهم الأمور على الإطلاق ومن أصعبها على الإنسان وعلى النفس البشرية، فالأصلُ في قضية اللسان أن لا يستعمله الإنسان إلا في فعل الخير وأن يَضْبِطَهُ عن كل شر، بل عليه أن يَضْبِطَهُ عن اللغو فضلاً عن الشر.