أثر الذنب في حیاتك
السيد عادل العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد المصطفى وآله وعلى أصحابه المنتجبين ومن تبع النبي وآله بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فكلّنا نعيش المشاكل والآلام والأمراض والمتاعب والصعاب في حياتنا اليومية وهذه المشاكل تارة مع أنفسنا، وأخرى مع ربّنا، وثالثة مع الناس ومع الأسرة والمجتمع، ورابعة مع الطبيعة وما فيها ومن فيها، فيا ترى من أين هذه المشاكل؟ وما هي أسبابها وعللها؟
لا شك أن لها أسباب وعلل، ومن أهمها ما جاء في هذا الحديث الشريف فأرجو من كل صديق وحبيب أن يقرأ بدقة ولمرات ويتفكر فيه بتأمل وبعمق ويعمل به بتوجه وإخلاص، حينئذٍ ترى المشاكل ترتفع عنكم واحدة بعد الأخرى وتعيشون الحياة الطيبة والسعيدة وهذا ما جرّبته في حياتي.
في كتاب الكافي (المجلد الثاني صفحة 445) بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام قال: قال أمير المؤمين علیه السلام في قول الله عز وجل (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب، ولما يعفو الله أكثر فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فإن الله عز وجل أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.
بيان الحديث إجمالاً: ليس من التواء عرق أي ما يصيب الإنسان من أن يلتوي عرقه فيصاب بمرض وسقم وألم ولا نكبة حجر في البدن، بأن يصاب بحجر أو يصيبه حجر أو يصطدم مثلاً بسيارة فإن الإمام علیه السلام إنما يضرب بهذا مثلاً أي كل ما يصيب الإنسان في جسده من داخل الجسد كالتواء العرق أو من الخارج كإصابة حجر أو عثرة قدم بحجارة فتدمى قدمه مثلاً أو يخدش بعود كأن يصاب رأسه بعود شجرة ليس كل هذا إلا بسبب ذنب عمله الإنسان في ساعته أو يومه أو في اسبوعه أو في شهره أو في سنته، ثم اعلموا أن الله ما يعفو عن العبد ويغفر له أكثر بكثير مما يبتليه بمثل هذه المصائب والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجسدية وغيرها، ثم بعد ذلك الإمام علیه السلام يذكر رحمة الله الخاصة بالمؤمنين؛ لأنّ الحديث يختص بهم بأنه إذا أخذ الله العبد بذنبه، وابتلاه بمثل هذه الابتلاءات في دنياه فلا يعذّبه على ذلك الذنب في آخرته، لأن الله عز وجل أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبة العبد مرة أخرى في الآخرة، وإذا كان كذلك فلا شك لا يعذبه على الذنب الذي جزاه في الدنيا.
ثم اعلم إن إصابة هذه المشاكل من خلال الذنوب إنما هي لعامة الناس ولأمثالنا وليس للمعصومين كالأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام، فإن البلاء لهؤلاء هو من رفع الدرجات كما قال الإمام زين العابدين علیه السلام في جواب يزيد اللعين لما قال له: إن ما أصابكم في كربلاء ويوم عاشوراء من أنفسكم. وقرأ هذه الآية الكريمة (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) فأجابه الإمام عليه السلام ليس هذه الآية تنطبق في حقّنا بل الآية التي تنطبق في حقنا قوله تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) ونحن لا نأسف على ما فاتنا في سبيل الله بل نفرح بذلك فقتلانا شهداء في سبيل الله سبحانه.
اسمحوا لي أن أشير إلى جملة من الآثار السيئة والسلبية التي تترتب على المعاصي والذنوب والرذائل والقبائح في حياتنا اليومية فضلاً عما يترتب عليها في الآخرة من العذاب والنار والسخط الإلهي والشقاء الأبدي، فمن آثار الذنوب على القلوب قال الله تعالى (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين: 14).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله).
وقال عليه السلام : (إذا أذنب الرجل ـ وكذلك المرأة ـ خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (ما جفّت الدموع إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).
ومن آثار الذنوب على زوال النعمة : قال الصادق عليه السلام: (ما أنعم الله على عبد نعمة قط فسلبها إياه حتى يذنب ذنباً يستحق بذلك السلب).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (فما زالت نعمة ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترموا أن الله ليس بظلام للعبيد).
وقال الصادق عليه السلام : (إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وإن العمل السيء أسرع في صاحبه من السكّين في اللّحم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات ـ أي تزيل الخيرات وما فيه السعادة ـ إن العبد ليذنبن الذنب فينسي به العلم الذي كان قد علمه).
ومن آثار الذنوب في حلول النعمة، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (توقوا الذنوب فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة، قال تعالى: (ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ....)).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (ما اختلج عرق ولا عثرت رجل إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله عنه أكثر).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إحذروا الذنوب فإن العبد ليذنبن فيحبس عنه الرزق). وقال الصادق عليه السلام: (من يموت بالذنوب أكثر ممن يعيش بالأعمار) أي أكثر الموت يكون بسبب الذنب الذي يفعله الإنسان.
وقال عليه السلام: (أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب وذلك قول الله عز وجل في كتابه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ...) ثم قال: (وما يعفو الله أکثر مما يؤاخذ به).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنکم ما كان قدر لهم من المطر).
قال الإمام الكاظم عليه السلام: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون).
أحبتي: ما ذكرناه من آثار الذنوب على حياة الإنسان إنما هو غيض من فيض في هذا الوادي فمشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأسقام والأمراض والمصائب وكل سوء يصيب البشر إنما هو من ذنوبهم إلا الأنبياء والأوصياء والأولياء والأمثل فالأمثل فما أصابهم إنما هو لرفع درجاتهم وتكاملهم، أما نحن وعامة الناس فما أصابنا فمن ذنوبنا.