الحج .. ثماره وآثاره
بقلم: الشيخ حسن عبدالله العجمي
إننا على وشك استقبالِ موسمٍ عبادي وهو موسمُ الحج ... والحجُّ هو أحدُ الأعمالِ والواجباتِ الإلهيةِ التي اقتضت حكمةُ اللهِ عزّ وجل فرضها على المسلمين عند الاستطاعة، قال تعالى في كتابه المجيد : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) وللحج فوائدٌ عديدةٌ إضافة إلى أنّه من الأعمال العبادية والتعبدية التي وعد الله عليها بالجزاءِ والثوابِ في الدارِ الآخرةِ .
فمن فوائده ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله أحد أصحابه وهو هشام بن الحكم فقال له : ( ما هي العلةُ التي من أجلها كلفَّ اللهُ العبادَ بالحج والطوافِ في البيت ؟ )
فقال الإمام الصادق عليه السلام : «إن الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعةِ في الدين ومصلحتِهم من أمرِ دنياهم فجعل الاجتماعَ من الشرقِ والغربِ ليتعارفوا ولينزع كلُّ قومٍ من التجاراتِ من بلدٍ إلى بلد ولينتفع بذلك المكاري والجمالُ ولتعرف آثارُ رسول الله صلى الله عليه وآله وتعرف أخبارُهُ ويذكر ولا ينسى ، ولو كان كلُّ قومٍ إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد وسقط الجلبُ والأرباحُ وعميت الأخبارُ ولم يقفوا على ذلك، فذلك علة الحج »
فالإمام الصادق عليه السلام في جوابه هذا يشير إلى بعض الفوائدِ والآثارِ والمنافعِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ لعبادةِ الحجِّ ، فمن منافع هذه العبادة أنها وسيلةٌ لتعارف المسلمينَ الحجاج من مختلف بقاع الأرض فيما بينهم ، وأنَّ موسمَ الحج موسم تبادلٍ تجاري واقتصادي وربحٍ تجاري مادي ، ومن ثمار الحج ومنافعه الأخرى ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : «والحج ينفي الفقر» فالله سبحانه وتعالى يهيئ لعبده الحاجَّ سبلَ الكسبِ والرزقِ ويفتح عليه أبوابَ خيرهِ وبركاتِهِ فينتفي عنه الفقرُ ، وترتفعُ عنه الفاقةُ والحاجةُ ... ومن ثمارِ الحجِّ ومنافعِهِ ما أشارت إليه الروايةُ عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « الحاجُّ على ثلاثةِ أصنافٍ : صنفٌ يعتقُ من النارِ ، وصنفٌ يخرجُ من ذنوبِهِ كهيئةِ يومِ ولدتهُ أمُّهُ ، وصنفٌ يحفظُ في أهله وماله وهو أدنى ما يرجع به الحاج » .
ولأهمية عبادة الحج ولما لها من ثمار وآثار وفوائد جمّة تعود على العبد دنياً وآخرة فقد وردت الروايات الكثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام التي ترغب المسلم في هذه العبادة ...منها عن الإمام الصادق عليه السلام : «أن رسول الله صلى الله عليه وآله لقاه أعرابي فقال له : يا رسول الله إني خرجت أريد الحجَّ ففاتني وأنا رجل مميل ، فمرني أن أصنعَ في مالي ما أبلغ به مثلَ أجرِ الحاج ، فالتفت إليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله فقال : انظر إلى أبي قبيس فلو أن أبا قبيس لك ذهبةٌ حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج ، ثم قال إن الحاج إذا أخذَ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب اللهُ له عشرَ حسنات ومحى عنه عشرَ سيئات ، ورفع له عشرَ درجات فإذا ركبَ بعيرَه لم يرفع خفاً ولم يضعه إلاّ كـتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه فإذا وقف بالمشعرِ الحرامِ خرج من ذنوبه فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدّ رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه ، ثم قـال : أنّى لك أن تبـلغ ما بلغ الحـاج ، قـال أبو عبد الله عليه السلام :ولا تكـتب عليـه الذنوبُ أربعـةَ أشهر وتكـتب له الحسناتُ إلاّ أن يأتي بكبيرة» .
وقد حذّرت الشريعة الإسلامية من ترك هذه الفريضة لمن استطاع إليها ، ففي صحيحة ذريح المحاربي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال « من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجةٌ تجحف به أو مرضٌ لا يطيق فيه الحج أو سلطانٌ يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ».
وفي رواية أخرى صحيحة عن الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إذا قدر الرجل على ما يحج به،ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ) .