الرزق
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السؤال: کیف ینسجم اختلاف أرزاق الناس مع العدل الإلهي؟
الجواب: لأجل الإجابة، ینبغي الإلتفات إلى الملاحظتین التالیتین:
1ـ إنّ الإختلاف الموجود بین البشر في جانب الموارد المادیة یرتبط بالتباین الناشىء بین الناس جرّاء اختلاف استعدادتهم وقابلیتهم من واحد لآخر.
والتفاوت فی الإستعدادین الجسمي والروحي یستلزم الاختلاف في مقدار ونوعیة الفعالیة الاقتصادیة للأفراد، ممّا یؤدّي إلى زیادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر.
ولا شكّ أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل في ثراء بعض الناس، إلاّ أنّه لا یمکن أن نعوّل علیها عند البحث لأنّها لیست أکثر من استثناء، أمّا الضابط في أکثر الحالات فهو التفاوت الموجود فی کمیة وکیفیة السعي (ومن الطبیعي أنّ بحثنا یتناول المجتمع السلیم والبعید عن الظلم والإستغلال، ولا نقصد به تلك المجتمعات المنحرفة التي ترکت قوانین التکوین والنظام الإنسانی جانباً وانزلقت في طرق الظلم والإستغلال).
وقد یساورنا التعجّب حینما نجد بعض الفاقدین لأيّ مؤهل أو استعداد یتمتعون برزق وافر وجیّد، ولکننا عندما نتجرّد عن الحکم من خلال الظواهر ونتوغّل في أعماق ممیزات ذلك البعض جسمیاً ونفسیاً وأخلاقیاً، نجد أنّهم یتمتعون بنقاط قوّة أوصلتهم إلى ذلك (ونکرر القول بأنّ بحثنا ضمن إطار مجتمع سلیم خال من الإستغلال).
وعلى أیّة حال... فالتفاوت بین دخل الأفراد ینبع من التفاوت بالإستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإلهیّة أیضاً، وإنْ أمکن أنْ یکون بعض ذلك اکتسابیاً، فالبعض الآخر غیر اکتسابي قطعاً. فإذنْ وجود التفاوت في الأرزاق أمر غیر قابل للإنکار من الناحیة الاقتصادیة، ویتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السلیمة.. إلاّ إذا افترضنا وجود مجموعة أفراد کلّهم فی هیئة واحدة من حیث: الشکل، اللون، الإستعداد ولا یعتریهم أيَّ اختلاف! وإذا ما افترضنا حدوث ذلك فإنّه بدایة المشاکل والویلات!
2ـ لو نظرنا إلى بدن إنسان ما، أو إلى هیکل شجرة أو باقة ورد، فهل سنجد التساوي بین أجزاء کلّ منها ومن جمیع الجهات؟
وهل أنّ قدرة ومقاومة واستعداد جذور الشجرة مساویة لقدرة ومقاومة واستعداد أوراق الوردة الظریفة؟ وهل أنّ عظم قدم الإنسان لا یختلف عن شبکیة عینه؟
وَهل من الصواب أن نعتبر کلّ ذلك شیئاً واحداً؟!
ولو ترکنا الشعارات الکاذبة والفارغة من أيِّ معنى، وافترضنا تساوي الناس من جمیع النواحي، فنملأ الأرض بخمسة ملیارات من الأفراد ذوي: الشکل الواحد، الذوق الواحد، الفکر الواحد، بل والمتحدین فی کلّ شيء کعلبة السجائر.. فهل نستطیع أن نضمن أنّ حیاة هؤلاء ستکون جیّدة؟ ستکون الإجابة بالنفي قطعاً، وسیحرق الجمیع بنار التشابه المفرط والرتیب الکئیب، لأنّ الکلّ یتحرك في جهة واحدة، والکلّ یرید شیئاً واحداً، ویحبّون غذاءاً واحداً، ولا یرغبون إلاّ بعمل واحد!
و من البدیهي أن حیاة کهذه ستکون سریعة الإنقراض، ولو افترض لها الدوام، فإنّها ستکون متعبة ورتیبة وفاقدة لکل روح. وبعبارة أشمل سوف لا یبعدها عن الموت بون شاسع.
وعلى هذا فحکمة وجود التفاوت في الاستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الاجتماعي، ولیکون التفاوت في الإستعدادات دافعاً لتربیة وإنماء الإستعدادات المختلفة للأفراد. ولا یمکن للشعارات الکاذبة أن تقف فی وجه هذه الحقیقة التي يفرضها الواقع الموضوعی أبداً.(1)
________________________
(1)الأمثل، ج 7، ص 110.