رابطة الأخوّة
إنّ رابطة الأخوّة بين الأبناء تقوم على أساس العلاقة النسبيّة والعقيديّة، وعلاقة العيش في ظلال الأبوين في بيت واحد.. وبذا فهي رابطة قوية متينة، وتعميقها وترسيخها دليل على تفهّم الإخوان لمعنى الأخوّة، ودليل على رقيّ وضعهم الأخلاقي.
والأخوة في الأسرة يعيشون متفاوتين في السّن والجنس "ذكوراً وإناثاً"، وفي المستوى الثقافي والفكري .. وفي الحالات النفسية والصّحية والميول والمؤهلات الذاتية..
والعيش في الأسرة يتطلب منهم جميعاً أن يكونوا منسجمين .. إنّ الانسجام يتحقّق في الحبِّ والإيثار، والتحية، والهديّة، والاحترام المتبادل، والتعاون، وتناول الطعام في مأدبة مشتركة، والتفاهم من خلال الأحاديث الودّيّة .. والعفو والتسامح في حال حدوث المشاكل بينهم، والعمل على حلّها عن طريق التفاهم..
***
إنّ مقدّمة الأعمال التي تحقّق الحبّ والانسجام في العلاقة اليومية هي التحية.. فالتّحية هي مفتاح القلوب؛ ذلك لأنّها تُعبِّر عن الحب والاحترام والعلاقة الودّيّة.. وهي تزيل ما في النفوس من غموض، أو أذى وعدم الرّضى..
إنّ إشاعة التحية بين أفراد الأسرة
تشيع المودة والاحترام، ولأهمية التحية في العلاقات البشرية نجد الرسول الهادي محمداً "صلى الله عليه وآله" يحثّنا على إفشاء السلام، وأداء التحية؛ لأنّها الطّريق إلى القلوب والكلمة التي تزرع الحب في النفس.
قال الرسول الكريم "صلى الله عليه وآله" : (لا تدخلوا الجنّة حتى تحابّوا، ولا تحابّوا حتّى تؤمنوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم).
ويعلّمنا الرّسول "صلى الله عليه وآله" أدب التحيّة بقوله: (خيركم من يبدأ صاحبه بالسّلام).
***
ومأدبة الطّعام الواحدة التي يجتمع من حولها الوالدان والأخوة إنّما هي مائدة ومشاركة فعليّة في الحياة .. إنّهم يتناولون الطّعام، ويتبادلون الأحاديث الوديّة من حول المائدة.. بل ويشاركون في إعدادها برحابة صدر وسرور..
إنّها ليست مشاركة في تناول الطّعام فحسب، بل ومشاركة في العواطف والمشاعر..
إنّ التعاون بين الأخوة في الأسرة عنصر أساس من العناصر التي توفِّر السّعادة، وجوّ الانسجام في الأسرة، وتجلب بركة الرّحمن للجميع..
***
إنّ بعض الأخوة قد يكون متفوّقاً في دراسته، أو متقدماً على أخته أو
أخيه في هذا المجال .. فمن حقِّ الأخ على أخيه أن يساعده على تعلّم بعض الدروس، أو يعلّمه خبرة أو فنّاً كالخطّ أو الرّسم أو الخياطة، أو استخدام الكمبيوتر ... الخ، أو يرشده إلى تجاوز المشاكل والتغلّب على الصعوبات.
إنّ ذلك يساعد الأخ على شقِّ طريقه في الحياة.. ويجعله مستعدّاً لأن يقدّم لك العون والمساعدة في حالة أخرى.
***
وقد يكون أحد الأخوة قد توفّرت له فرص العمل، والحصول على دخل مناسب، ولم يزل أخوه أو أخته بحاجة إلى المساعدة الماليّة .. فمن حقِّ الأخوّة ومن الإحسان الذي يحبّه الله سبحانه أن يساعد إخوانه وأخواته فيخفف عنهم وعن أبويه تكاليف الحياة، ويشعر إخوانه بالإحسان والمحبّة، ويجعلهم يفكّرون بردّ الجميل والإحسان إليه ..
إنّ الحياة في داخل الأسرة هي حياة محبّة وتعاون وإيثار، ويتحقّق ذلك بالكلمة والمشاعر الطيبة، وبالمال، وبالتعاون في المجالات الأخرى.. من وسائل تجنّب المشاكل هي الابتعاد عن إثارة الآخر، أو إزعاجه، لا سيما إذا كان في وضع نفسي أو عصبي متوتر بسبب مشكلة يعانيها.
***
إنّ بعض أبناء الأسرة قد يكون عصبيّاً أو حسّاساً، ووضعه في الأسرة يثير مشاكل مع بعض إخوانه أو أخواته، أو قد يتكوّن عنده شعور غير صحي تجاههم، وقد يطلق كلمات جارحة، أو يقوم بعمل مثير للغضب .. وقد يردُّ الأخ على أخيه بالمثل، فعندئذ تتوتر العلاقة في الأسرة، وتتعقد الأجواء، وتتطور المشكلة..
وعندما تحدث مثل هذه الحالات ينبغي تقدير ظروف الأخ، أو الأخت النفسيّة، أو العصبيّة، وأن يقابل الغضب والانفعال بهدوء، ودونما مواجهة، ثم نعود بعد فترة ساعات، أو في اليوم التالي فنبحث معه المشكلة مباشرة، أو من خلال أحد الأبوين أو الأخوة، أو الأصدقاء .. ونعمل على حلّها.
***
إنّ العفو والتسامح والسيطرة على النفس عند الغضب موقف أخلاقي يكشف عن قوّة الشخصية، وسلامة النفس من الحقد والروح العدوانية.. لقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس، واعتبر ذلك إحساناً منهم وعطفاً على الآخرين .. قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) "آل عمران: 134".
***
والهدايا بين أفراد الأسرة تجلب المحبّة وتوطّد العلاقة، فالهديّة تعبّر عن شعورك تجاه الآخر، كما تعبّر عن الاهتمام والتكريم، والرّغبة في الودّ، لذا نجد الرسول "صلى الله عليه وآله" يقول: (تهادوا تحابّوا) .
فهديّتك كتاباً مناسباً أو محفظة صور، أو ساعة ...الخ ، لأختك أو أخيك تترك أثرها النفسي فيه.
***
والإنسان خُلق ناطقاً، وبالنطق يعبّر عن أحاسيسه ومشاعره وللحديث العائلي أثره النفسي الكبير .. فأفراد العائلة عندما يجتمعون، ويتبادلون الأحاديث الودّية، أو المفاهيم الثقافية، أو أخبار المجتمع والسياسة، أو يتداولون في شؤون الأسرة، أو أخبار العلم والاكتشافات، أو الشؤون الشخصية والعائلية التي تتعلّق بأقربائهم وذويهم.
إنّ هذه الأحاديث تزيد في ثقافة الفرد .. وتعوّده على حياة الانفتاح، والاهتمام بشؤون المجتمع والثقافة، وتبعده عن الكآبة والانطواء، وتكوّن جوّاً من التفاهم وإزالة حواجز الانغلاق والتوتّر النفسي، وتوفِّر حالة من الانسجام والمودة، كما تساهم تلك الأحاديث في توحيد ثقافة العائلة، والتقارب الفكري بين أفرادها.
حاول أن تبدأ الحديث، وتتحدّث أنت مع أفراد العائلة الجالسين بشكل جماعي، أو إطرح سؤالاً عن مسألة من المسائل على أحد الجالسين: أمّك أو أبيك .. لتوفّر فرصة للحديث والحوار العائلي.
وللحديث أصوله وآدابه، فلا يصح أن تقاطع المتحدّث حتّى يتم حديثه، ولا تحتكر الحديث وحدك، وتأكّد من نقل الأخبار والمعلومات التي سمعتها، قبل أن تتحدّث بها، فإنّ ذلك يعتبرّ عن احترامك لكلمتك وشخصيتك.
(*) المصدر كتيب بعنوان "أسرتي" من إصدار دار التوحيد.