دور العمل في هداية الإنسان
مرتضى المطهري
جاء في الحديث الشريف: كونوا دعاة بغير ألسنتكم.
بالرغم من امتلاك الإنسان لملكة الفكر واستقلاله في التفكير إلا أنّه يقع تحت تأثير الآخرين بشكل أو بآخر.
عندما نريد أن نسوق قطيعاً من الخراف من هذا الجانب إلى الجانب الآخر من الطريق فإننا سنواجه مصاعب في البداية ذلك أنّ أياً منها لا يملك الاستعداد لعبور الطريق وحده، إذ ينبغي سوق واحدة أو أكثر من تلك الخراف وإرغامها على عبور الطريق وبهذا يندفع القطيع نحوها.
إنّ هذه الظاهرة التي نشاهدها في الخراف نلاحظها في سلوكنا نحن البشر، حيث نرى القسم الأعظم من أعمالنا وحركاتنا وعاداتنا تنشأ عن التقليد واتباع الآخرين دون الالتفات إلى نوع العمل، خيراً كان أم شراً، ولهذا يقطف الرائد لفعل الخير ثوابه وثواب من سار عليه، ويحصد الرائد لفعل الشر جزاءه وجزاء من سار عليه.
وما دامت هذه الظاهرة موجودة في حياة المجتمع فما أحرى بأولئك الذين يرغبون بفعل الخيرات أن يستفيدوا منها ويكونوا أسوة وقدوة لغيرهم فيعبّدون طريق الخير والصلاح أمام الناس ويكونوا هداة وأدلاءً لهم.
هناك طريقان لهداية البشر، الأوّل: طريق التحدث إليهم أو الكتابة لهم والطريق الآخر هو الريادة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنافس الخطابة أو الكتابة الريادة في عمل الخير تأثيراً في الناس. وقد قال العظماء: "مئات المقالات لا تساوي نصف عمل".
إنّ الفرق بين الفلاسفة والأنبياء في هذا المجال أنّ الفلاسفة يتحركون ضمن إطار الحديث والكلام والنظريات فقط، أما الأنبياء فهم وقبل أن يقولوا شيئاً فإنّهم يجسدونه في أعمالهم، وبهذا ينفدون إلى قلوب الناس ويمتلكون عواطفهم. فالكلام لا يمكنه أن يتعدى في التأثير على الآذان، ولكن للعمل أمواج تتردد في أعماق الروح وتنعكس في طوايا القلب.
إنّ الحديث الذي يرافقه إيمان واعتقاد لابدّ وأن يفعل فعله في الروح ومن ثمّ يترك أثره على الجوارح فيتجسد على شكل عمل. لقد كان الأولياء يدعون الناس إلى الله بأعمالهم لا بكلامهم فقط.
من السهل جدّاً أن نتحدث عن الحقِّ والعدالة والكرم والتقوى والتسامح والحرية والفداء وأن نستغرق في وصفها والتعمق في بحثها ولكن من الصعب جدّاً أن نجد ذلك مجسداً في أمثلة حية، أن نجد إنساناً عادلاً أو حراً أو متسامحاً أو مضحياً: وقلما نجد من يتأثر لحديث أو مقالة ولكن الإنسان ليركع أمام من يجسد قيمة من تلك القيم التي يتعاطف معها، وهذا هو السر في بقاء تعاليم الفلاسفة والحكماء محصورة بين طيات الكتب في حين تدوي تعاليم الأنبياء في الخافقين ولا زلنا نشهد بأم أعيننا آثار النبوات بالرغم من تعاقب العصور.
إنّ الحديث وحده والكلام لا يمكنه أن يفعل ذلك أبداً وإنّ أمواج الكلام محدودة المدى والأثر.
يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "الحقّ أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف".
فالحديث عن الأمانة والصدق والاستقامة والبحث في ذلك من أيسر الأمور وأسهلها ولكن العمل بها هو من أصعب الأمور، ذلك أنها تضع على المحك.
يقول (ع): "إني لا أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها".
ويقول أيضاً: "من نصب نفسه إماماً للناس فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدّبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم".
المصدر: كتاب سلوك وأخلاق الإسلام