النميمة.. موجبة للفتنة والفرقة
◄في معنى النميمة:
عرّف أهل اللغة النميمة بأنّها نقل الحديث من شخص إلى آخر على وجه الفساد والشرّ لإيقاع الفتنة أو الوحشة بينهما.
أما الفقهاء فقد اقتصر بعضهم على المعنى اللغوي للنميمة دون التفصيل فيها، بينما اشترط البعض الآخر "أن يكون ذلك القول قول سوء من شتم أو غيبة، وأما لو نقل مدحه فصدق النميمة عليه ممنوع وإن أوجب ذلك النفورة والكدورة"[1] وقد تقاربت كثيراً عبارات الشهيد الثاني في رسالته والغزالي في إحياء علوم الدين وصاحب المحجة البيضاء وجامع السعادات، حيث فسّر الشهيد الثاني النميمة بما يُوجب كشف ما يكره كشفه بين شخصين[2].
والذي يتبادر من النميمة وهو الظاهر من إطلاقاتها عرفاً أنها مخصوصة بنقل الحديث بين طرفين ليوقع بينهما الفتنة أو الوحشة بشرط أن يكون الحديث فيه ذكر سوء من المنقول عنه في حقّ المنقول إليه. ولا يشترط أن يكون نقل الحديث بالكلام، بل يتحقق بأيّ دالٍ من تلفّظ أو كتابة أو إشارة أو إيماء أو رمز أو غيرها.
وحديث السوء الذي صدر من المنقول عنه إذا نقله الناقِل للمقول فيه، وكان مما يكره ذلك المنقول عنه، وهو من أسراره، فإنّه يُعدّ غيبة للقائل أيضاً من الناقل.
واشتراط بعضهم في النميمة كراهية كشف ما يكره كشفه ليس في محله، لأنّ نقل الحديث الموجب للفساد والفتنة بين الشخصين يعدّ نميمة وإن لم يكره الشخصان نقله لأنّ العاقبة السيئة بينهما قد وقعت.
وموضوع النميمة ينحصر في نقل حديث السوء الموجب للفرقة والفتنة، ولا يشمل نقل الأفعال وإن كان ذلك محرماً إذا كان يوجب الفرقة والفتنة أيضاً، ولكنه لا يعدّ نميمة بل تحريمه من باب آخر.
واعلم أنّ النميمة تتحقق سواء أوجبت الفتنة والفرقة، أم أوجبت التباغض وتقليل المحبة بينهما، أم انّها لم توجب شيئاً ولكن كان الناقل من شأنه بنقله إحداث شيء منها.
في حكم النميمة:
لم ينقل الخلاف في تحريم النميمة، بل قد ادُّعي الإجماع على حرمتها، وجعلت من الكبائر وتركها من ضروريات الدين.
أما التحريم فقد استُدلّ عليه بالأدلّة الأربعة:
1- من القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد/ 25)، وقوله سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة/ 191)، وقوله أيضاً سبحانه: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (القلم/ 10-12)، وقوله عزّ وجلّ: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (الهمزة/ 1). وللفقهاء نقاشات مطوّلة في صحة الاستدلال وعدمها فلتطلبْ في أماكنها.
2- من السنّة الشريفة: استدلّوا بأحاديث وروايات كثيرة، نذكر منها: رواية عليّ (ع): "شراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبة، المبتغون للبُرآء المعايب" ورواية أبي جعفر (ع): "الجنة محرمة على الفتّانين، المشّائين بالنميمة"، وما يروى عن أبي عبدالله (ع): "لا يدخل الجنة سفّاك الدم، ولا مدمن الخمر، ولا مشاء بنميمة"، وما جاء عن أبي الحسن موسى (ع): "حُرِّمت الجنة على ثلاثة: النمّام، ومدمن الخمر، والديوث وهو الفاجر".
وروى أبو ذر (رض) عن النبيّ (ص): "صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله في الآخرة".
وروي عن الصادق (ع) قوله: "إنّ النمّام شاهد زور وشريك إبليس في الإغواء بين الناس".
3- أما الاستدلال بالإجماع على حرمة النميمة فكان من الشيخ الطوسي قدّس سره وللفقهاء مناقشات في الأمر لا مجال لذكرها في هذه السطور.
4- وأما الاستدلال بالعقل على حرمتها فلأنها موجبة للفتنة بين المؤمنين، ولإيقاع النزاع الذي قد يجرّ إلى سفك الدماء، وهتك الأعراض وإتلاف الأموال، وهذه الأمور مما يحكم العقل بقبحها وبالتالي فلا محالة يحكم العقل بقبح مسببها وهو النميمة.
ونذكّر هنا أننا لسنا بصدد ذكر كلّ المناقشات والردود في طريق الاستدلال بالتفصيل، وإنما أردْنا فقط التأكيد على حرمة النميمة من طرق مختلفة.
فيما يجب على المنقول إليه:
قال الشهيد الثاني في رسالته "كشف الريبة": وكلّ من حُملت إليه النميمة، وقيل له إنّ فلاناً قال فيك كذا وكذا، أو فعل فيك كذا وكذا، وهو يدبّر في فساد أمرك أو في ممالأة عدوك، أو تقبيح حالك، أو ما يجري مجراه فعليه ستة أمور:
- الأوّل: أن لا يصدّقه لأنّ النمّام فاسق، وهو مردود الشهادة، لقوله تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...) (الحجرات/ 6).
- الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه، ويُقبِّح له فعله، لقوله تعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (لقمان/ 17).
- الثالث: أن يُبْغِضَه في الله تعالى، فإنّه بغيضٌ عند الله، ويجب بغض من يبغضه الله.
- الرابع: أن لا تظنّ بأخيك السوء بمجرد قوله: لقوله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) (الحجرات/ 12)، بل تتثبت حتى تتحقق الحال.
- الخامس: أن لا يحملك ما نُقِلَ إليك على التجسّس والبحث لتتحقق، لقوله تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات/ 12).
- السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النمّام عنه، فلا تحكي نميمته فتقول قد حُكي لي بكذا، فتكون نمّاماً مغتاباً، وتكون قد أتيت بما نهيت عنه. وقد روي عن عليّ (ع) أنّ رجلاً أتاه يسعى إليه برجل، فقال (ع): "يا هذا، نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، فإن شئْتَ أن نُقيلك أقلْناك، قال: أقِلْني يا أمير المؤمنين".
ما يُلحق بالنميمة:
ومما يلحق بالنميمة بل هو منه، السعاية.
قال المقدس النراقي في جامع السعادات: "السعاية هي النميمة، بشرط كون المحكي له من يُخاف جانبه، كالسلاطين والأمراء والحكّام والرؤساء وأمثالهم، فهي أشدّ أنواع النميمة إثماً ومعصيةً".
وقال الفيض الكاشاني في محجته تبعاً للغزالي "والسعاية النميمة، إلّا أنها إذا كانت إلى من يُخاف جانبه، سُمِّيت بالسعاية".
فهي محرمة إذاً حرمة النميمة، بل تشتدّ حرمتها لحرمة إيذاء المسلم، بل إذا ترتّب على السعاية قتلٌ فيكون شريكاً في دمه!
وروي عن أبي عبدالله (ع): "من أعان على المؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي"[3].
الهامش:
[1]- انظر حاشية الايرواني على المكاسب/ ص43.
[2]- من رسائل الشهيد2/ ص305.
[3]- الوسائل/ باب أحكام العشرة/ ص163.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 13 و14 لسنة 1991م