الطفل وديعة إلهية
حقّ الطفل:
تتم عملية الزواج وتتبعها ولادات ومواليد، ثمّ يجتمع الأطفال حول مائدة الأب ليكونوا ضيوفه، وهم في الواقع ودائع رب العالمين وفلذات أكباد الوالدين. وتظهر بعد ولادتهم حقوق في أعناق الأبّ والأُمّ لابدّ من أدائها.
فهم يولدون دائنين ونحن مدينون لهم. ويجب علينا تأدية هذا الدَّين بأفضل وجه، وتوجيههم بالشكل الذي يُرضي صاحب الوديعة وهو الخالق جلّ وعلا.
فالأب والأُمّ مدينان لولدهما، لكن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الأب.
فلا يحق لهما تربية طفلهما كيفما أرادا، أو فرض إرادتهما ووجهة نظرهما عليه. ومعلوم ما هو دَيْن الوالدين لولدهما، وما هي الأمور التي يطالب الطفل والده بها. وقد حدد الباري جلّ شأنه تلك الأمور، وأمر الوالدين برعايتها.
الطفل جزء من وجود الأب:
يجب على الأب أن لا ينسى أبداً، وهو يؤدي حقوق طفله، أنّ هذا الولد هو جزء من وجوده. فالإمام السجاد (ع) يقول عن حقِّ الولد:
- إنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه.
- إنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب.
- إنّك مسؤول عن دلالته على ربِّه.
- إنّك مسؤول عن معونته لطاعة ربّه.
- إنّك مسؤول أن تعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه.
وورد في وصيّةٍ للإمام عليّ (ع) إلى ولده الحسن (ع): "... ووجدتك بعضي، بل وجدك كلّي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني...".
فوجود الولد هو من وجود الأب وينبغي أن يحب له ما يحبه لنفسه.
مجالات الحقوق:
وهكذا نرى أنّ الأب مسؤول عن طفله، فهو مسؤول عن سلامة جسمه ونفسه وبنائه وذهنه وعقله، ويجب عليه أن يقوم بتأديبه وتربيته، وأن يعلم بأنّ أفضل عطية للولد هي التربية الصالحة والأدب الرفيع.
ويمكن تحديد حقوق الطفل بالمجالات التالية:
1- حق التعليم: فالأب هو المسؤول عن تعليم ولده، ويشمل التعليم مجالات واسعة من العلوم والمعرفة مثل:
· تعليمه واطلاعه على ظواهر الوجود المختلفة كعالم النبات والحيوان والجماد.
· تعليمه القرآن والأحكام والتعاليم الخاصة بالحياة الفردية والجماعية.
· تعليمه فنون الحرب والدفاع كالرماية والسباحة والفروسية وغير ذلك.
· تعليمه كلّ ما يرتبط بحقائق المجتمع من السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع.
· تعليمه دروساً في المعاشرة والأخلاق والتعامل وإتخاذ المواقف المختلفة.
· تعليمه كلّ ما يرتبط بحياته الفردية كعزة النفس وغناها وبناء السمات الذاتية الأخرى.
· تعريفه بأهداف الحياة وفلسفة الوجود والمواقف التي ينبغي أن يتخذها الإنسان حيال هذه الظواهر.
· تعليمه الثقافة العامة والقراءة والكتابة.
· وأخيراً تعليمه كلّ ما يحتاج إليه في حياته الحالية والمستقبلية.
واستكمالاً للموضوع نشير إلى حديثين شريفين نستغني بهما عن ذكر العديد من الجزئيات الأخرى.
أ- ورد عن أمير المؤمنين الإمام عليّ (ع) قوله: "علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به".
ب- وجاء عن الإمام الصادق (ع) قوله: "أولى الأشياء أن يتعلّمها الأحداث التي إذا صاروا كباراً إحتاجوا إليها".
2- حق التربية: يجب على الأب أن يؤدي هذا الحقّ ويقوم بوظيفة التربية ويبذل جهده؛ وتعني التربية بناء الطفل. وقد تبرز الحاجة أحياناً لإعادة البناء من جديد، وبشكلٍ عام فإنّ وظيفة الآباء هي الاهتمام بتأديب الأطفال "ويحسن أدبه..." نهج البلاغة.
للتربية مجالات واسعة جدّاً وتشمل جميع الأبعاد الوجودية للإنسان مثل:
أ- البعد الجسمي: ووظيفة التربية بناء الجسم وتنميته، ونظافته وحفظه بعيداً عن الأخطار والأمراض والأعراض السلبية الأخرى، وبناء الأعضاء وتقوية العضلات وغير ذلك.
ب- البعد العقلي: ويشمل بناء العقل والاهتمام بالذكاء والخيال والدقة وحب التطلع والحفظ والتجسيد وقابلية التعميم والتجرد والقياس والاستنتاج وغير ذلك. وحري بالأب أن يوجه ولده لحلّ المسائل الرياضية والتمارين ويحلل الظواهر ويحلّ الألغاز.
ت- البعد النفسي: ويشمل تلك الجوانب التي ترتبط بالأخلاق السامية والهمة العالية والعزم الراسخ والجرأة والاستقامة في الأمور. وأن يدعم الأب تلك الصفات الإنسانية النبيلة في ولده كالإيثار والعدل والتحرر والاستقلال وتقديم العون والإحسان والإنفاق وطلب الخير وكلّ ما يساهم في توفير حياة حرة كريمة.
الهدفية في الحياة:
من الأمور التي يجب على الآباء مراعاتها لدى تربية أولادهم إيجاد الأرضية المناسبة للهدفية في كلِّ شيء. فالإسلام يؤكّد دائماً بأنّه على الإنسان أن يكون هادفاً في جميع أعماله، وأن تنسجم هدفيته – حتماً – مع فلسفة الحياة.
إننا لا نطالب الآباء بتدريس أولادهم الفلسفة وأصولها والتحدث إليهم عن أسرار الحياة، لكن الشيء المطلوب هو أن يدرك الإنسان كنهه، لماذا وُلِد؟ ولماذا يعمل؟ ولماذا يموت؟ وما هو سر النجاح في الحياة؟... فالذي لا يعلم سبب خلقه سيموت دون أن يعلم سبب موته.
فالهدفية في الحياة تجعل الإنسان يتحرك بخطوات مدروسة ويسير بوعي ويوجه جهده وتحرّكه.
على الإنسان أن يعلم كيف يواجه مختلف الأمور ليكون قادراً على تحمّل الصعوبات والشدائد والآلام في سبيل الهدف.
حقوق أخرى للطفل:
من الحقوق الأخرى للطفل والتي يمكننا ذكرها هنا هي حقه في القبول، والدعم، والتسمية، والمراقبة، والصحة، والأمن، والطعام المناسب، والملبس، والمسكن الجيِّد وغير ذلك. حيث يجب على الأب أن يقوم بتوفير المُناخ الملائم والظروف المناسبة لتحقيقها واستفادة الطفل منها، بل وحتى توفير مقدمات زواجه عند بلوغه.
ويؤدي التفريط بهذه الحقوق إلى إصابة الطفل بالعديد من الاضطرابات والانحرافات والأذى والألم، وقد يشعر الطفل أحياناً بالتيه نتيجة لعدم اهتمام الأب به مما يعرّض فكره واستقلالية قراره للخطر أو يحتقر نفسه ويستصغر شأنه فلا يُؤمن شرّه "مَنْ هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه" عن الإمام الجواد (ع).
ملاحظة مهمّة:
على الآباء أن يدركوا بأنّ أداء حقّ الطفل يعتبر مسؤولية في أعناقهم وليس عطفاً منهم وترحّماً وذلك رغم أنّه مثابون ومأجورون على هذا العمل "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يُغفر لكم" عن الإمام الصادق (ع).
فالخالق جلّ وعلا هو الذي فرض هذه المسؤولية على الوالدين وطالبهما بأدائها، وإنّهما سيعاقبان ويحاسبان على التفريط بها.
وإنّ الأب هو أمين الباري ولا يحقّ له التفضل على ولده بسبب حفظه لهذه الويدعة الإلهية وأداء حقّها، وإنّه سينال – طبعاً – أجره وثوابه.
كما وإنّ الأولاد مدينون لآبائهم من الناحية الأخلاقية والمعنوية يجب عليهم أن يقدّروا جهودهم ويدعوا لهم بالخير والرحمة.
المصدر: كتاب دور الأب في التربية