كيف نربي أطفالنا على الثقة بالنفس؟
بقلم: بتول عباس
إن كل طفل سيكون أباً أو أماً في المستقبل لذا ينبغي أن يلج معترك الحياة وينجح فيه.
ولا يمكن ابقاؤه بعيداً عن النمو والحياة المتطورة وهذه حاجة ملحة يجب تربية الطفل عليها.
والطفل بحاجة -كما الآخرين -أن يعتمد على نفسه ويكون قادراً على حل مشاكله وتوفير حاجاته بنفسه. وأن يشعر في أعماقه بأنه يستطيع التقدم في عمله وقادر على حل مشاكله والصعوبات التي تواجهه. إنه بحاجة ليتخلص تدريجياً من الارتباط بوالديه، وأن يقرر بنفسه كيف يتعامل مع الآخرين ويعتمد في ذلك على نفسه في اتخاذ قراراته فلا يستعين بوالديه فيما لو حدث له أمر معين، وأن يكسب الفضائل وينمّي نفسه ويتقدم باطمئنان وثقة، وأن يستعين في هذا الطريق بنفسه وبإمكاناته واستعداداته، مستفيداً من الظروف والفرص المناسبة. وأن يكون قادراً على ضبط نفسه في النزاعات ويصون نفسه من السقوط الأخلاقي.
أسس الثقة بالنفس:
يعتقد العديد من علماء النفس أن أسس الثقة بالنفس تقوم على أمرين:
الأول هو عزة النفس، والثاني هو الحاجة إلى الأمور والمسائل المختلفة. وبشأن عزة النفس، فإن الإنسان يريد أن يكون هو المسؤول عن تحديد مصيره، وعظيماً وأن يحافظ على كيانه ولا يشعر بالحاجة للآخرين ليتدخلوا في أموره، واجتماعياً مع الجميع ويرفض أن يكون منطوياً على ذاته ويهتم بنفسه فقط.
وبشأن الحاجات، لا بد من القول: ان الطفل يدرك عملياً بأنه مضطر لتوفير حاجاته ولا يمكنه أن ينتظر الآخرين ليوفروا حاجاته في كل المجالات. وتبرز بعض الحالات في الحياة لا يتمكن الأب أو الأم من أن يوفرا حاجات الطفل. أو انهما يتمكنان من ذلك ولكن لا يقومان به لعلة معينة. أو أنهما يوفران تلك الحاجة لكنه غير قادر على تحملهما بسبب استخدامهما انضباطاً شديداً.
لذا فانه يفضل الاعتماد على نفسه ويحسب لنفسه حساباً وسوف يشعر بقيمة نفسه ويفكر بمفرده بمسائل الحياة ويتحرك وفق هذا التصور. ولو كان هذا العمل غير مفهوم للطفل في مراحل طفولته الأولى بيد أنه سيدركه تدريجياً. والثقة بالنفس مهمة جداً بالنسبة للطفل. اذ يرتبط نجاح الطفل وفشله في حياته الفعلية والمستقبلية بمستوى الثقة بالنفس التي وفرناها للطفل. ومثل الأطفال الذين ينشأون معتمدين على الغير كمثل شجرة العنب التي تعتمد على الأشجار الأخرى في نموها وطول قامتها، وسوف تفقد حياة الطفل أي معنىً لها فيما لو نشأ محروماً من الثقة بالنفس. وسيكون غير قادر في المستقبل على الوقوف على قدميه وسيفتقد الإرادة والعزم بشأن نفسه وماله. فتراه مثلاً لا يشعر بالأذى أبداً عندما يرضخ إلى الذل، وأنه مضطر للاستسلام لأهواء الآخرين من أجل أن يبقى حياً.
على أية حال فان الثقة بالنفس عند الإنسان هي من مشاكل الشخصية العامة ومن أعقد المشاكل النفسية. ويشعر الأطفال الذين يتحلًون بالثقة بالنفس أنهم سعداء جداً، ويمكنهم في جميع مراحل الحياة ورغم الصعوبات التي تعترضهم أن يخرجوا منها مرفوعي الرأس.
ضرورة الثقة بالنفس للطفل:
من هنا تبرز ضرورة ذلك للأطفال وينبغي لأولياء الأمور أن يوفروا مقدمات الثقة بالنفس. فالشيء المهم هو توفير جميع الإمكانات اللازمة في الحياة ليكون واثقاً بنفسه وأن يسير نحو تحقيق الأهداف من خلال السير في هذا الطريق وفقاً لسنّه وامكاناته والظروف والمقتضيات، ومن خلال الأجواء التي يوفرها الوالدان لزيادة وعيه وبناء معنوياته أيضاً.
وقد يكون هذا ضرورياً بالنسبة للطفل، لكننا لو تأملنا الموضوع بدقة لوجدنا أنه ضرورة للوالدين والمربين أيضاً، لأن ثقة الطفل بنفسه تجعله يؤدي أعماله بنفسه فلا يشعر بالحاجة إليهم وهذه نقطة إيجابية بالنسبة للوالدين تجعلهم يفكرون في التخطيط لبرامج أُخر.
إضافة الى أن الطفل سوف يشعر بأهمية نفسه. ومن فوائد الثقة بالنفس أيضاً شعور الطفل بأنه قادر على التخطيط لنضجه وبنائه والسير بوعي وإدراك كافيين. أما الفائدة الأخرى فهي أن الثقة بالنفس تولّد عند الإنسان قوة تجعله قادراً على أداء الاعمال بحيث يمكنه أن يطوّر برامجه وينجز أعماله.. كما وأنها تمد الانسان بالعون ليحسب لنفسه حساباً ويخطط لنجاحه وتقدمه. والثقة بالنفس توفر إمكانية التفكير المضاعف للإنسان ليكون أكثر استقراراً واتزاناً. ويتحلى الواثق بنفسه بروح سليمة وشخصية ناضجة وتعامل مفتوح مع القضايا، وتصدر عنه قرارات أكثر واقعية. تُعَدُّ الثقة بالنفس في الحقيقة نوعاً من القوة الكامنة بالنسبة للإنسان، حيث يمكنه أن يلجأ إليها في موارد الاضطراب والمشاكل والصعوبات فيطمئن إلى نجاحه وتوفيقه. وأخيراً، فعندما يشعر الإنسان بالثقة بنفسه فانه سيتوقع من نفسه أكثر من الآخرين، ويقترب من ذاته ويبتعد عن الآخرين ويزول خموله وضعفه تدريجياً، بل وسيصل تدريجياً إلى تلك المرحلة التي يحقق فيها تقدمه وأفضليته، ويكون واثقاً من نفسه ومستقبله.
فقدان الثقة بالنفس:
ثمة أعراض عديدة تصيب الأشخاص الذين يفتقدون الثقة بالنفس منها:
* التبعية الشديدة للآخرين اذ ستكون بحد ذاتها سبباً لاعتماده على الغير في السيئات والحسنات فيكون مضراً في بعض الأحيان.
*فقدان قابلية اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة والوصول الى نتائج إيجابية وبنّاءة.
*ظهور الاضطرابات في برامج الحياة المعقدة اذ يصاحبها اضطراب في الاخلاق والسلوك.
*ظهور جمود وتوقف في الحركة والسير والممارسة بسبب الشعور بالحيرة في طلب العون من الآخرين.
*ظهور حالات عصبية خاصة مع اضطرابات وممارسات سيئة.
*الشعور بالنقص والحقارة بحيث يمتنع الانسان عن القيام بأي عمل.
*الإحساس بالذل والذنب في الحياة قبل أن يتهمه الآخرون.
*انجاز الأمور بصعوبة بالغة، وألم لا يمكن تحمله، والاحساس بالتعب دون مبرر لأنه لا يدري كيف يعمل وما هي العاقبة.
*الامتناع عن ممارسة ما ينفعه في نموه ونضجه وينتظر من الآخرين أن يساعدوه في هذا المجال.
*وأخيراً، فإن الطفل الذي لا يثق بنفسه سيكون كالطفل اليتيم الذي فقد ملاذه.
أسباب فقدان الثقة واليأس:
ثمة حالات عديدة يشعر فيها الأطفال باليأس وعدم الثقة بأنفسهم، فتراهم يشككون بذواتهم ولا يؤدون الأعمال الموكلة إليهم باندفاع ونشاط.
وأسباب ذلك عديدة منها:
1-ايحاءات الوالدين الخاطئة، فمثلاً يقولون للطفل انك لا تقدر أن تُنجز هذا العمل، ولا تمارس هذا العمل، و..
2-التوبيخ الشديد وذكر موارد الفشل باستمرار.
3-الشعور بعدم الكفاءة بسبب الصراع الذي يعيشه إزاء بعض المفاهيم والأفكار وخاصة لدى معاشرته للجماعة.
4-فقدان الاستقلال بسبب تبعيته الشديدة لوالديه اللذين يوفران حاجاته بشكل مفرط.
5-عدم توجيهه في مجال استهلاك طاقاته واصابته بالإحباط في هذا المجال.
6-الأمراض المتكررة، وعدم المعالجة والتي تؤدي الى اهتزاز الأبعاد الوجودية للإنسان فيسيء الظن بنفسه.
7-عدم وجود من يثق به الطفل ويلجأ إليه في الصعوبات ليدافع عنه.
8-الانتقادات اللاذعة والإشارة بالبنان الى عيوب الطفل وترك تشجيعه في المجالات الإيجابية.
9-الاهانات والتمييز، وعدم الاهتمام، والطرد.. حيث تؤدي هذه الأمور بالطفل ليفكر بأنه انسان فاشل وغير كفوء.
10-عدم ترتيب أي أثر على صدق الطفل خاصة عندما يطرح الحقائق ويبين بعض الوقائع.
بداية الثقة بالنفس:
تنشأ الثقة بالنفس بالنسبة للطفل منذ المرحلة التي يدرك فيها بوضوح ماذا عليه أن يفعل وكيف يوفق بين ذاته والظروف والأوضاع الموجودة. ويمكن مشاهدة آثار ذلك في الأطفال حتى في السنوات التي تسبق السن الثالثة، لكنها تتجلى بوضوح منذ السن الثالثة وخاصة في نهاياتها حيث تسمى هذه المرحلة بمرحلة ظهور الشخصية.
ونشاهد منذ هذه السن تقريباً أن الطفل يقف أولاً في وجه والديه ويتخذ موقفاً معيناً، ويقول كلمة كلا لمطاليبهم ويلجأ إلى اختلاق المعاذير ثم يُضر ثانياً على متابعة أعماله بحزم والتقدم نحو الامام بحرية واستقلال أكبر. ورغم أن هذه الحالة قد تثير بعض الصعوبات بالنسبة للوالدين لكن التجارب أثبتت انها تعتبر حالة إيجابية لأنها تساهم في نمو الطفل وتفسح المجال ليشعر بالثقة بنفسه والاستقلالية. وتقع على الوالدين مسؤولية ثقيلة في هذا المجال. وقبل أن يصبح الطفل انساناً واثقاً بنفسه أو تابعاً ذليلاً؛ علينا أن نحاسب أنفسنا وننظر ماذا وفرنا له في هذا المجال، وماذا عملنا له من أجل انجاز اعماله؟ وما هو مستوى دعمنا له؟ وما هي الفرصة والإمكانات التي منحناه إياها لينتصر بواسطتها على مشاكله قبل أن يصاب باليأس؟
طرق تحقيق الثقة بالنفس:
والآن نريد أن نعرف كيف يمكن إيجاد الثقة بالنفس عند الطفل أو دعم هذه الحالة عنده، فهناك أساليب عديدة في هذا المجال:
*تلقين الطفل والايحاء اليه انه قادر على انجاز هذا العمل المعين وان النجاح سيكون حليفه.
*اللجوء الى التخطيط من أجل تحقيق المهارات العملية والتخلص من الشعور بالنقص وعدم الكفاءة بحيث يدرك انه قادر أيضاً على انجاز عمل ما.
*التمهيد من أجل أن يلتذ بنتيجة عمله وسعيه.
*اللجوء إلى التمارين الرياضية لمساهمتها في تحقيق النجاح وإيجاد الثقة بالنفس.
*تشجيع الطفل ودفعه لأداء العمل الذي ندرك جيداً انه سينجح فيه.
*دعمه وتشجيعه ليشعر بالفخر ويرفع رأسه وذلك عندما يقف على قدميه.
*الإشارة باستعداداته وقدراته وانجازه للأمور ومطالبته بالتغلّب على المشاكل والمسائل المختلفة.
مسؤولية الوالدين:
تقع على الوالدين مسؤولية مهمة في هذا المجال، اذ نراهما ينظران احياناً إلى بعض الأمور بأنها بسيطة وصغيرة وهامشية ناسين انها تحطم شخصية الطفل وتفقده ثقته بنفسه وعندنا نماذج عديدة منها عدم قبول الطفل وترك دعمه وحمايته. ويعتبر التعامل مع الطفل في البيت من العوامل المهمة والمؤثرة على موضوع الثقة بالنفس. فمثلاً إقفال جميع الجرارات والابواب في البيت يشير الى عدم الثقة بالطفل أو عدم الرغبة بمشاركته في أمور البيت بسبب ارتكابه لخطأ معين في وقت ما. ينبغي للوالدين أن يوفرا كل ما هو ضروري من أجل دعم ثقة الطفل بنفسه وتحقيق نموه واستقلاله. ويجب عدم السماح للخوف ليأخذ طريقه الى قلب الطفل بسبب بعض التصرفات اليومية أو سقوطه أرضاً لأن هذا يؤثر سلباً على ثقته بنفسه. لا تضطروا الطفل الى الكذب من أجل كسب تشجيعكم ودعمكم اذ يعتبر هذا من العوامل المهمة في التأثير سلباً على الثقة بالنفس. وفروا إمكانية تقويم الطفل لقدراته وأن يبحث بشكل محايد نقاط قوته وضعفه ويتخذ قراراته بمستوى استعداداته. وينبغي أن يكون التدخل في أمور الطفل ومراقبته بمقدار معين بحيث لا يدفعه نحو الاستبداد ولا يفقده الثقة بالنفس.
علائم الثقة بالنفس عند الطفل:
من صفات الأطفال الذين يمتازون بالثقة بالنفس ما يلي:
*إنهم يسعون دائماً لأداء أعمالهم بأنفسهم ويحاولون تقليل اعتمادهم على الآخرين.
*لا يصابون بالاضطراب في انجاز برامجهم بل يؤدونها بشكل مباشر وبجرأة.
*لا ييأسون متى ما تعرضوا للفشل في حياتهم، بل يحاولون البدء من جديد وتحقيق النجاح.
*لا يحاولون ابداً الوصول الى أهدافهم من خلال مدح أنفسهم والتظاهر أو الفخر والتكّبر.
*لا يلجؤون إلى تحقير الآخرين من أجل ابراز ذواتهم.
* لا يصرون كثيراً على التبعية للآخرين، ولا يشعرون باليأس متى ما تركناهم بمفردهم.
*يقتنعون بشخصياتهم كما هي ويحذرون من الصراع مع أنفسهم.
*لا يهربون من المسؤولية إذا كانت بمستواهم ويحاولون اداءها.