هل يترك الاسم أثراً على نفسية الطفل؟
د. أحمد بهشتي
متى وكيف أن يسمىّ الطفل؟
لقد اعتبر البيان العالمي لحقوق الطفل، أن حق امتلاك الاسم هو من حقوق الطفل الطبيعية، تماماً كحقه في الحصول على جنسية خاصة به.
هذا الموضوع جليّ وبديهي إلى حدّ ربما جعل الخوض فيه والبحث حوله لا لزوم له، ومن نافل القول إنه ليس الإنسان وحده بحاجة إلى حمل اسم خاص به، بل إن الحيوانات، الجبال، المدن، البلاد، النجوم، البحار، المناطق، القارات، المؤسسات، المنشورات، الكتب، المكتبات، ... هي الأخرى بحاجة إلى امتلاك أسماء خاصة بها، وذلك كي تُمَّيز عن بعضها البعض.
ولا يستطيع أحد أن يطلق على نفسه اسم عائلة الآخرين، دون الحصول على إذن خاص بذلك. أما بالنسبة للأسماء الشخصية الأولى، فلا توجد صعوبات من هذا النوع.
نلاحظ من خلال ما سلف أنّ مسألة امتلاك الاسم، قد باتت من الحقوق المعترف بها، حيث لا يمكن أن يُسلب أحد الناس اسمه، أو أن يستعمل اسم عائلة الآخر، دون الحصول على إذن رسمي مسبق.
وشريعة الإسلام، هي شريعة اجتماعية. وكل النقاط التي أتينا على ذكرها أعلاه، تدخل في إطار الأمور التي تؤكد عليها هذه الشريعة، لا شك في ذلك ولا ريب. أما ما ينبغي ذكره في هذا المجال، فهو أن البند الثالث من البيان، قد اكتفى بأن يشير بصورة إجمالية فقط إلى أن الطفل يتمتع بحق امتلاك اسم خاص به، ولم يعلّق أبداً على كيفية إطلاق الاسم على الطفل، كما لم يحدّد متى ينبغي أن يحصل على حقه الطبيعي هذا.
نظرة الإسلام:
أما الإسلام، فإنه يولي حياة الأطفال العناية الخاصة سواءً قبل الولادة أم بعدها بصورة دقيقة ومستمرة.
فقلد التفت الإسلام منذ البداية إلى أنّ الطفل يتمّتع بحقوق فردية واجتماعية، منذ اللحظة التي يكون فيها جنيناً في رحم أمه.
والالتفات إلى هذه النقطة الهامة يعتبر من المميزات المشرّفة لهذه الشريعة. فالإسلام بعد أن يقرّر سلسلة تعاليم بنّاءة في هذا المجال، ويأمر الآباء والأمهات باتّباعها حتى يضمنوا سعادة مولودهم على النحو الأمثل، فإنه يولي مسألة إطلاق التسمية اهتماماً خاصاً أيضاً. لذا فإننا نجده يقول: (سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني؟ وقد سمّى رسول الله محسناً قبل أن يُولد).
أي اسم نختار؟
المسألة الأهم هي أنّ أيّ اسم ينبغي أن نختار للطفل المولود؟. . . وفي هذا المقام، ليس هناك أدنى شك في أن الآباء والأمهات، ونظراً للمحبة الجارفة التي يُكنّونها لمولودهم، يحاولون أن يختاروا أجمل الأسماء وأفضلها على الإطلاق. لكن الاشكال الذي قد يواجههم في هذا المجال، هو أنهم ربما اشتبه عليهم الأمر حين التسمية، بمعنى أنّ الاسم الذي حاز على إعجابهم كان غير مستحسن لدى الأخرين، أو من حيث الواقع. لذا فإنّ الأب والأم إذا لم يتزوّدا بالتوجيهات الإسلامية اللازمة، من الممكن أن يُقدمان من خلال جهلهما وعدم تمتّعهما بالوعي المطلوب على أذية ولدهما بدلاً من إسداء خدمة له، من خلال اختيار اسم سوف يلازمه طوال حياته، وقد يكون بمثابة قيد يمسك بعنقه، فلا يستطيع التخلص منه مدى الحياة.
الأثر النفسي للتسمية:
هذا الموضوع الذي قد يبدو عادياً في ظاهره، مهم للغاية من وجهة النظر الواقعية، حيث لا يمكننا أن نغضّ الطرف عن الآثار النفسية السلبية التي يمكن أن يخلّفها الإحساس الداخلي بالحقارة، الذي يُعد أحد العوامل التي تسبب الألم والانزعاج للإنسان. لكن إحساساً كهذا، لا تبقى آثار حزنه في النفس طويلاً، إلاّ إذا أضحى عقدة في نفس الإنسان، وبات حلّها من الأمور المستحيلة أو بالغة الصعوبة، أي إذا أفضت إلى ما يصطلح على تسميته بـ (عقدة الحقارة)، فإنها تؤدي إلى عواقب خطيرة وهائلة. تماماً كما إذا قُوبلتَ بعدم اعتناء أحد معارفك من خلال لقاء جمعك به، فمن الممكن أن ينتابك إحساس داخلي بالحقارة، بسبب امتناعه عن مبادرتك بالمجاملات والتشريفات المعتادة. هذه المعاملة سوف تولّد لديك شعوراً بالهوان والمضايقة، ولكنه سرعان ما ينقضي، لأنك سوف تلتقي لا حقاً بأحد أصدقائك، أو أحد معارفك المحّبين فتزول آثار الانزعاج من ذاتك، إلى ان تنساها بصورة نهائية بعد فترة من الزمن.
ولكن إذا تكرّرت هذه القضية مع أحد الأشخاص كما إذا بادره الجميع بمعاملة تتسم بعدم الاعتناء وتفتقر إلى المحبة، فتصبح مسألة نسيان الأمر صعبة وبعيدة المنال. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى توليد (عقدة الحقارة) في نفسه، وإلى أن تهدد الأخطارُ الكبيرة سعادته وسلامته.
كما أن العيوب والعاهات الموجودة في أبدان بعض الأفراد، تحمل في طياتها خطر إصابة أولئك بعقدة الحقارة التي تحدّثنا عنها. إلاّ إذا تمكن الشخص المعنيّ من تفجير المواهب المختزنة داخله بصورة ملفتة، ومن أن يرتقي إلى درجة من الشهرة والاعتبار والاحترام والمرتبة الاجتماعية بحيث أن عيوبه تختفي في ظل المحاسن والميزات التي يتمتعَ بها. وبالتالي فإنّ هذه العيوب لا تعود مصدر اضطراب وألم له.
ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن الناس لهم دور أساسي في هذا الشأن ويلخصه قول نبي الإسلام العظيم "صلى الله عليه وآله": (لا تديموا النظر إلى أهل البلاء والمجذومين فإنه يحزنهم). ويقول الإمام الصادق "عليه السلام": (لا تنظروا إلى أهل البلاء فإن ذلك يحزنهم). وفي الوقت نفسه: (من نظر إلى ذي عاهة، أو من قد مثّل به، أو صاحب بلاء، فليقل سراً في نفسه: (الحمد لله الذي عافاني).
خطر الاسم وأهميته:
وبالعودة إلى الخطر الذي تنطوي علية الأسماء النافرة والقبيحة، فنقول إنها قد تولّد لدى صاحبها شعوراً بعقدة الحقارة. ولا شك في أن الأشخاص الذين يُدعَون بأسماء قبيحة وغير مستساغة، أو ينتمون إلى بلاد أو مناطق أو مدن ذات أسماء رديئة يعانون من هذا الوضع ويتألمون بسببه.
وكتابنا السماوي يأمر بقوله: (وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ بِئسَ الاسمُ الفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ...).
كما أنه كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان.
فشريعة الإسلام لم تكن لتترك هذه المسألة الحيوية الهامة خارج نطاق نظرتها الشمولية. هذه الشريعة المقدسة، قد طرحت عدداً من التوصيات الضرورية والأكيدة حيال هذه القضية. إذ إنها تقول: (أول ما يبرّ الرجل ولده أن يسمّيه باسم حسن فليحسن أحدكم اسم ولده).
ويقول نبي الإسلام العظيم "صلى الله عليه وآله": (سمّه بأسماء من العبودية، فقيل: أي الأسماء هو؟ فقال: عبد الرحمن).
ومن المفيد أن نشير هنا إلى قوله "صلى الله عليه وآله": (من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني).
حتى أنه يقول "صلى الله عليه وآله": (لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبدالله أو فاطمة من النساء).
على اسم من نسمي؟
وما أحسن أن نستوحي الاسم من أسماء الأنبياء "عليهم السلام" وأهل البيت "عليهم السلام" والفضلاء والصالحين، أو من الأسماء التي تدلّ على العبودية لله عزّ وجلّ. عظماء الإسلام أنفسهم كانوا يولون عناية خاصة لمسألة تسمية أبنائهم: (إنا لَنُكَني أولادنا في صغرهم مخافة النبزان يلحق بهم).
وخلاصة القول إن شريعة الإسلام قد اعتبرت أن الاسم الحسن هو أحد حقوق الطفل المسلّم بها.
سأل أحدهم ذات مرة رسول الله "صلى الله عليه وآله": (يا رسول الله ما حق ابني هذا؟ قال "صلى الله عليه وآله": تحسن اسمه وأدبه، وضَعهُ موضعاً حسناً).
كما من المفيد أن نضيف هنا أن أسماء العظماء والكبار وأبطال الحق والفضيلة، لها آثار روحية بالغة على الأطفال أنفسهم من جهة وعلى محيط العائلة برمّتها من جهة أخرى. ولا يمكن غضّ النظر عن الأثر التربوي والنفسي الذي يتمتع به حاملو هذه الأسماء، حيث تشيع جواً من الخواطر المجيدة المشرّفة في أجواء العائلة. وحريّ بجميع الآباء والأمهات أن يستفيدوا من هذه المميزة على النحو الأحسن.