علاقة الأب مع ابنته
الدكتور علي القائمي(*)
الإسلام والبنات:
ينظر الإسلام إلى الأولاد أنهم ودائع الخالق جلّ وعلا بأيدي الآباء والأمهات والمربين. ويجب على الجميع أن يقوموا بوظائفهم في متابعة شؤونهم والدفاع عنهم وإرشادهم، وأن يحققوا تلك النتائج المرجوّة ويوفروا سبل النمو والترقي في جميع المجالات.
ولا يوجد فارق بين البنت والإبن في هذا الشأن. وليس من الإسلام تلك الأفكار التي يؤمن بها بعض الآباء إذ يضعون الفوارق بين الذكور والإناث. فالولد الذكر لا يمتاز عن البنت بشيء أبداً ولا يحقّ للوالدين أن يكسرا قلب البنت أو يحرمانها من بعض الأمور.
ولكي تزول هذه النظرة التفضيلية، أكّد الإسلام على الآباء بضرورة الاهتمام بالبنت والوقوف إلى جانبها. وقد جاء عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قوله: (خير أولادكم البنات) و (البنون نعمات والبنات حسنات) وإن الإنسان محاسب على النعم ومثاب على الحسنات.
أخبر الرسول "صلى الله عليه وآله" بأن زوجته ولدت بنتاً فرأى في سيماء أصحابه آثاراً للكراهية وعدم الرضا، فقال لهم: (ريحانة أشمها ورزقها على الله). كما جاء عنه "صلى الله عليه وآله" أيضاً قوله: (من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة).
حاجة البنات إلى الأب:
تشعر البنت بحاجة ماسة إلى الأب، ولكن إلى أب عطوف يتسم بسلوك لائق يكون أهلاً للإحترام حتى يمكنها أن تتخذه قدوة لها. إنها بحاجة إلى أب تثق به يكون سنداً لها لكي تستلهم منه وتفتخر به وتحبّه.
فالبنت بحاجة إلى أب يحقق الانضباط والأمن والعدالة، ويكون قادراً على تحدي صعوبات الحياة وحل مشاكلها ولا يشعر بالبؤس وسوء الحظ. ويحذرها فيما لو ارتكبت خطأً معيناً.
إنها تريد أن يكون أبوها رجلاً بمعنى الكلمة وعادلاً وقادراً على إزالة الظلم والتمييز عنها حتى ينال رضاها وودّها. إنّها تريده أن يدرك روحها اللطيفة وأحاسيسها الرقيقة التي تختلف عن الولد الذكر، وأن يجعلها جريئة ومستقرة الحال. إنها تريده أن يكون قادراً على إدراك مشاعرها خاصة في مرحلة البلوغ فيعاملها كالأم ويمهّد لها الأجواء لتسلك سبل الخير والفضيلة.
موقف الأب إزاء البنت:
لا يختلف موقف الأب ازاء ابنته عن موقفه إزاء إبنه إلاّ بشيء واحد هو أن البنت أكثر حساسية من الولد الذكر فينبغي – والحال هذه – أن لا يؤذيها أو يجرح عواطفها بل يهيئوها لقبول مسؤولية الأمومة.
ورغم وظيفة الأب في عدم التفريق بين البنت والولد لكن كفّة الميزان ينبغي أن تميل لصالح البنت. لذا نرى أن الإسلام يؤكد على الأب بتقديم الهدية إلى البنت أولاً ثم إلى الولد، أو أن يكتفي بتحذيرها وإرشادها دون معاقبتها، وذلك من أجل أن تنشأ نشأة صحيحة.
حري بالأب أن يوفر أرضية الشجاعة للبنت من خلال ذكر جملة معينة لكي تتقدم وتسير نحو الأمام، وأن يشوّقها لتقوم بأداء وظائفها ومسؤولياتها في الحياة. ويستطيع الأب أن يزرع الثقة عندها من خلال تمجيده لسلوكها وأدبها وخلقها لتكون قادرة على مواصلة حياتها.
فهي بنت في الوقت الحاضر لكنها زوجة وأم في المستقبل، ويجب عليها أن تكون إنسانة ملتزمة وناضجة، ولا بد من توجيهها نحو الأعمال المنزلية وتشجيعها والثناء على عملها لكي يشعر بالثقة بالنفس.
الهداية والتربية:
من وظائف الأب إزاء ابنته هدايتها وتربيتها تربية سليمة تؤهلها لتحمل مسؤولية الأمومة وإدارة شؤون البيت وتربية الأولاد.
ويجب عليه أن يثقفها تلك الثقافة التي ستحتاج إليها في المستقبل، ويكون دليلاً لها في الفكر أيضاً حيث يقوم ببناء أفكارها وعقائدها، وينمّي استعداداتها الخاصة، ويوفر لها مجالات النضج والنمو والشعور بالمسؤولية.
كما أنّه من الضروري أن يجأ الأب إلى تشجيع ابنته على إدارة شؤون البيت وتنظيمه، والتمرّن على العمل ورعاية الأطفال والاهتمام بقضايا المطبخ. وأن يكون ذلك مصحوباً بالاهتمام بدراستها حتى تكتسب الوعي والثقافة.
في التعامل:
قد تخطأ البنت أحياناً أو تنحرف كما الولد الذكر، وبلا شك إنه يجب الوقوف بوجه الأخطاء والانحرافات.
ولكن تعامل الأب مع البنت يختلف عن تعامله مع الولد الذكر، إذ ليس صحيحاً أن يلجأ الآباء إلى الخشونة مع البنات رغم تأثيره الآني وحل المشكلة حلاًّ مؤقتاً. فالسلوك الخشن مذموم بذاته وسوف يزداد قبحه فيما لو مارسه الأب مع ابنته.
إن عاطفة البنت وخصوصياتها النفسية لا يمكنها أن تتحمل هذا السلوك أبداً، وإنّه لعمل مثير للاشمئزاز أن يلجأ الأب إلى صفع ابنته أو لكمها أو ركلها. وإنّه سيؤثر سلباً عليها وعلى مستقبلها.
بل يجب – في موارد عديدة- أن يغفر الأب وقاحة ابنته، ويسامحها على أخطائها ويتعامل معها بلطف وعطف وحب، ولا يسمح لتساقط دموعها. وثمة أحاديث عديدة تحذرنا من اللجوء إلى ضرب البنت أو إجبارها على البكاء.
إظهار المحبة للبنت:
يجب على الأب أن يظهر حبه لابنته فيحضنها في سنوات الطفولة الأولى ويمسح بيده على رأسها ويقبلها ويواسيها عندما تبكي. فإظهار الحب والعاطفة يؤثر بشدة على النمو العاطفي للطفل ويجعله إنساناً لائقاً ويجعل من البنت أمّاً حنوناً.
وينبغي الحذر في سنوات النشئ والبلوغ ، فالروايات الإسلامية مثلاً تحذّر الأب من احتضان ابنته في هذه المرحلة أو اجلاسها في حضنه أو على ركبته لأن ذلك قد يكون مثيراً بالنسبة لها.
وعلى الأب أن يُشبع ابنته حبّاً وعطفاً في محيط البيت لكي لا تشعر بالحاجة إلى حب الآخرين. فقد أظهرت دراسات المحققين أن الإحساس بالقصور والنقص في الحب هما أساس العديد من الانحرافات.
القضايا الممنوعة:
ثمة مسائل عديدة ينبغي على الآباء أن يلتفتوا إليها في تربية أولادهم وخاصة البنات، منها ما يرتبط بالمعاشرة والأكل والشرب والملبس والسلوك وغير ذلك.
فسوء الأدب والكلام البذيء هما من الأمور القبيحة التي يجب الحذر منها وخاصة بالنسبة للبنات، إذ إنّهن بحاجة إلى وقار أكبر. وعليهن أن يهتممن بكلامهن أكثر من الذكور، وأن يراعين الضوابط والأدب لأنهن سيصبحن زوجات وأمهات.
وفي مجال الملبس لا بدّ أن تبذل الجهود من أجل أن يكون للبنت حجاباً ولباساً نسويّاً، فالإسلام يرفض تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويمقت المرأة التي تقلد الرجل في كلامه وتلتزم بسمات لا تناسب شأنها. كما أنّه ليس صحيحاً في نفس الوقت إيجاد التنافس بين البنت والإبن. بل يجب على الآباء أن لا يحمّلوا البنت فوق طاقتها خاصة وإنها أكثر طاعة من الإبن. وإنّه لقبيح جدّاً سلوك ذلك الأب الذي يستغل حياء ابنته وضعفها فيكلفها بأمور لا تطيقها.
الأب أملُ البنت في الحياة:
تنتخب البنت رجلها المثالي من خلال تفحصها في سلوك والدها، وتفكّر بالزواج من خلال النموذج الذي تشاهده في العلاقة بين والديها.
صحيح أن البنت تتعلم من أمّها لكنّها ستتعلم من أبيها الشروط التي ستطالبها في زوجها ونوع المعاشرة التي سيعاشرها في حياتها المستقبلية.
وثمة مشكلة تعاني منها البنات اللواتي يحصلن على إطراء مفرط من قبل الأب، إذ إنهن قد يفشلن في حياتهن المستقبلية.
فالأب عليه أن يحترم ابنته ويهتم بشخصيتها، ولكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ظهور إحساس عند البنت بأنّها قادرة على العيش مع أبيها دون الحاجة إلى أمّها.
وثمة خطر يواجه البنات اللواتي يشعرن بأن الأب هو ملاذهنّ الوحيد، وهذا الخطر هو الفشل في الحياة المستقبلية. وإن إفراط الأب في حبّه لابنته يؤدي بها إلى الدلال فتنافس أمّها في محيط الأسرة وتحاول أن تبين أفضليتها عليها.
الأب والبناء النفسي:
من وظائف الأب توفير الأرضية لبناء البنت نفسيّاً وعقليّاً لكي تكون قادرة على تعديل عواطفها وأحاسيسها. ولكي يتحقق البناء والنمو النفسي لا بدّ للأب أن يحافظ على بعض الأواصر قوية بينه وبين ابنته. ومن هذه الأواصر الاعلان عن حبّه لها وإدخال السرور عليها. فقد جاء عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قوله: ( من فرح ابنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل). وعليه أن يقوم برعايتها عندما تكون مريضة لكي يزرع عندها الأمل والرغبة في الحياة.
ويحدث أحياناً أن بعض البنات يشعرن باليأس من البيت ويفقدن أملهن لعدم امتلاكهن لملاذ أو ملجأٍ، أو أن مستوى عقولهن لا يتناسب مع إحساسهن، لذا نراهن يلجأن إلى ممارسات قبيحة لانعدام العلاقة والأواصر القوية، ويتمكن الأب من خلال سلوكه وذكر الأمثلة والقصص المختلفة أن يضع أسس البناء العقلي عند البنت وينمّيه فيكون قادراً على تربيتها بأفضل وجه. وعندها سترفض جميع تلك التفاصيل الغير مهمة وتبتعد عن جميع الأمور الفاسدة.
___________________
(*) من كتابه "دور الأب في التربية".
المصدر : مجلة عبقات الأنوار
http://abaqatalanwar.com/news.php?newsid=40