كيف يسود الود والحب بين أبنائك؟
بقلم: محمد الكاتب
ست قواعد لبناء الحب بين الأخوة:
ما هي نقاط العداء بين الأبناء؟ وكيف نستطيع أن نقتلعها من صدورهم ، ونزرع مكانها أشجار الحب والوئام؟ أي كيف تجعل ابنك يطبع قبلة على وجنتي أخيه بدل أن يوجه إليه الضربات ؟ الجواب: تستطيع أن تقتلع جذور التباغض والعداء من بين أبنائك إذا ما عملت بهذه الوصايا التالية:
أولاً ـ اعرف متى تطبع القبلة وتوزع الحب:
جاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( فهلاّ واسيت بينهما؟ )).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): قال والدي : (( والله لأصالح بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر وإن الحق لغيره من ولدي.. ولكن محافظة عليه منه، ومن غيره لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته.. وما أنزل سورة يوسف إلاّ أمثالاً لكيلا يحسد بعضنا بعضاً، كما حسد يوسف أخوته وبغوا عليه ))(1).
إذاً.. لا تنسَ في المرة القادمة التي تريد أن تقبّل فيها أحد أبنائك، أو تضمه إلى صدرك، وتعطف عليه بالحب والحنان، لا تنسَ أنّ عليك أن تفعل ذلك في وقت لا يلحظك فيه أبناؤك الآخرون ، وإلاّ.. فإن عليك أن تواسي بين أبنائك في توزيع القبلات، ويعني ذلك إذا قبّلت أحد أبنائك في محضر أخوانه الصغار حينئذ لابد أن تلتفت إليهم وتقبّلهم أيضاً، وإن لم تفعل ـ بالخصوص إذا كنت تكثر من تقبيل أحد أبنائك دون أخوانه ـ فكن على علم أنك بعملك هذا تكون قد زرعت بذور الحسد وسقيت شجرة العدوان بينهم.
وقد أكّد الإسلام على هذه المسألة الحساسة، وأعار لها انتباهاً ملحوظاً، حتى أنه أمر الأب أن يبدأ بالإناث ـ في العطاء ـ قبل الذكور، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقةٍ إلى قوم محاويج . . .)) ، ثم يضيف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً : (( ويبدأ بالإناث قبل الذكور . . . )).
لماذا ؟ . . . ذلك حتى لا تشعر الفتاة بالانكسار والضعف ، في مجتمع يحب الذكور، ويكره الإناث، وبالطبع فإن هذا العمل يدفع الفتاة إلى الشعور بمكانتها العزيزة بين أخوانها، ومن ثم نجاتها من مهالك الحسد والعدوان.
والمطلوب ـ في الحقيقة ـ إقامة العدل بين الأبناء سواء في توزيع القبلات أو في الرعاية والاهتمام بشكل عام.
يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( اعدلوا بين أولادكم ، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف ))(2).
وتحضرنا هنا بعض الأسئلة حول وضع الأخوة في الأسرة:
- هل الأطفال الأصغر دائماً يُحْمَون حماية زائدة؟
- وهل الأطفال الأكبر يجدون قبولاً أكبر أو أقل عندما يأتي أطفال آخرون؟
- وهل يكون المولود الأول مفضلاً دائماً؟
- وما مركز الابن الأخير والابن الوحيد؟
- كيف يكون موقع الابن الجميل والابن القبيح؟
- هل هناك تفاضل بين الأبناء وعلى أي أساس يقوم؟
- أعلى أساس الجمال، أم على أساس التقوى والعمل الصالح؟
- وإذا كان هنالك من تفاضل.. كيف يجب أن يتم إشعار الأبناء به؟
يجيب على بعض هذه الأسئلة أحد الباحثين التربويين فيقول : ( عندما يولد الطفل الثاني ، ويأخذ بالنمو والكبر ويدرك ما حوله ، لا يجد الوالدين من حوله فحسب، بل يجد كذلك في الميدان أخاه الأكبر الذي سبقه في الميلاد ، والذي يفوقه قوة ويكبر عنه جسماً ووزناًَ.
وكلما كبر أدرك أنه أصبح في مرتبة ثانوية في المعاملة تتضح له من الأمور الآتية: نعطي له اللعب القديمة بعد أن يكون أخوه قد استلمها جديدة واستعملها أمامه، ونعطي له كذلك ملابس أخيه القديمة بعد أن تصبح غير صالحة للاستعمال إلاّ قليلاً.
والذي يزيد الطين بلة ، ميلاد طفل ثالث في الأسرة يصبح موضع رعاية جديدة من الوالدين ، فيقل لذلك مقدار الرعاية التي كانت توجه إليه.
وهنا يأخذ الطفل الثاني ترتيباً جديداً بين الإخوة، ويصبح طفلاً أوسط. وإن مركز الطفل الأوسط لا يحسد عليه إذ إنه يكون مهاجَماً من الأمام (عن طريق الأخ الأكبر) ومن الخلف (عن طريق الأخ الأصغر).
أمّا عن الطفل الأخير في الأسرة، فإن مركزه تحدده العوامل التالية : نجد أولاً ـ أن هنالك اختلافاً في معاملة الوالدين له عن بقية الأخوة والأخوات، وميلاً لإطالة مدة الطفولة، لأن الوالدين ـ حينئذ ـ يكونان غالباً قد تقدم بهما السن وأصبح أملهما في إنجاب أطفال جدد محدوداً.
وفي بعض الحالات نجد أن الطفل الصغير الأخير يكون موضع رعاية خاصة و(دلال) الوالدين أو من أحدهما، وهنا تدب نار الغيرة والحقد في نفوس إخوته وتذكرنا أمثال هذه الحالات بقصة يوسف (عليه السلام)، وما تعرض له من إيذاء نتيجة كره أخوته له، لإيثار والديه له بالعطف الزائد).
وبالنسبة إلى مسألة التفاضل، نجد أن بعض الآباء يزدادون حباً وعطفاً على أحد أبنائهم دون أخوته الآخرين، ليس لأنه الأجمل أو الأكبر أو الأخير، وإنما لأنه الأفضل نشاطاً وعملاً وخدمة لوالديه.
هنا لا بأس بهذا التفاضل إذا ما كان سرّاً، ولكن حذار من الطريقة السلبية التي يتم إشعار الأخوان بها. والطريقة السلبية ـ التي يجب اجتنابها ـ هي: أن يقول الأب لأبنائه ـ على سبيل المثال ـ : لا بارك الله فيكم إنكم جميعاً لا تساوون قيمة حذاء ولدي فلان!! أو يقوم باحترام ابنه والاهتمام به دون أخوانه وأخواته.
بينما الطريقة الايجابية تقضي بأن يقوم الأب بمدح الصفات التي يتحلى بها ابنه الصالح دون ذكر اسمه، أو حتى إذا ما اضطر إلى ذكر اسمه فلابد أن يقول لهم مثلاً: إني على ثقة من أنكم ستحذون حذو أخيكم فلان في مواصفاته الحميدة، ولا شك ــ يا أبنائي ــ أن لكم قسطاً من الفضل في مساعدتكم أخاكم حتى وصل إلى هذه الدرجة من الرقي والتقدم والكمال.
بالطبع ـ عزيزي القارئ ـ إنك وجدت الفارق بين الطريقتين ، ففي الطريقة الأخيرة تجد أن الأب يحاول إعطاء التفاضل لأحد أبنائه بصورة فنية دون أن يحرك مشاعر الحقد والحسد في صدور أبنائه الآخرين، تجاه ابنه المتميز لديه ، بل بالإضافة إلى ذلك فهو قد دفع أبناءه إلى تقليد أخيهم الصالح عبر إعطائهم الثقة في الوصول إلى مرتبته ، وبصورة هادئة وحكيمة.
والتفاضل هنا لا يعني إعطاء أحد الأبناء حقوقاً أكثر، وفي المقابل سلبها من الأبناء الآخرين ، كأن يعطي الابن المتميز طعاماً أكثر أثناء وجبة الغذاء أو أن تقدم إليه الملابس الأجود واللوازم الأفضل ، لا .. إن هذه الطريقة هي طريقة الحمقى والذين لا يعقلون.
إذاً.. إن آخر ما نريد قوله في هذا الباب هو: المطلوب مزيد من الانتباه إلى هذه الملاحظة الهامة والتعرف ـ جيداً وبحكمة ـ على كيفية توزيع الحب بين الأبناء.
ثانياً ـ بيّن أهمية الأخ لأخيه :
إذا كنت ترغب في أن يسود الحب والود بين أبنائك فما عليك إلاّ أن تبيّن أهمية الأخ لأخيه ، وتشرح له عن الفوائد الجمّة التي يفعلها الأخوان لبعضهم البعض.
وهنا يجدر بك أن تسرد لأبنائك الأحاديث التالية التي توضح تلك الأهمية التي يكتسبها الأخ من أخيه ، وإليك بعضها:
يقول الإمام عليّ (عليه السلام): (( الأخوان أفضل العدد )). ويقول (عليه السلام): (( الأخوان زينة في الرخاء وعدة في البلاء))، ويقول : ((الأخوان جلاء الهموم والأحزان ))، ويقول : (( من لا أخ له لا خير فيه ))، ويقول: (( من لا أخوان له لا أهل له ))، ويقول: ((موت الأخ قص الجناح واليد)).
كما لا تنسَ أن تسرد لهم قصة الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه العباس في معركة كربلاء، حيث كان العباس خير معين وناصر لأخيه، حتى أنه لما سقط على الأرض صريعاً جاء الإمام (عليه السلام) وقال: (( أخي.. الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي )).
إذاً.. فالأخ هو المساعد الأيمن لأخيه ، وقد تجلى ذلك أيضاً في قصة النبي موسى (عليه السلام) حينما قال: ( وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) طه / 29ـ32 .
بهذه الطريقة تكون قد أشعرت ابنك بأهمية أخيه، وبالتالي قد شددت أواصر العلاقة والمحبة بينهم.
ثالثا ـ اسق شجرة الحب بينهم:
الأب الناجح في التربية هو الذي يجسّم المحبة بين أبنائه ويقوم بإروائها وسقيها كل وقت. وتسأل: كيف يتم ذلك؟ والجواب يأتيك على لسان أحد الآباء، وهو يسرد تجربته مع أبنائه، حيث يقول:
لقد رزقني الله (عزّ وجلّ) الوليد الثاني بعد أن جاوز عمر الأول السنتين، وحمدت الله تعالى كثيراًَ على ذلك. وكما هو الحال عند كل الأطفال، أخذ ولدي الأول يشعر تجاه أخيه، كما يشعر الإنسان تجاه منافسيه، كان ينظر إليه باستغراب ودهشة وعدم رضى ، وكأن علامات الاستفهام التي تدور في مخيلته تقول: لماذا احتل هذا الغريب مكاني؟ من هو هذا الجديد؟ هل يريد أن يأخذ أمي مني؟ وبدأ الحسد والغيرة يدبان في نفسه حتى أنه تسلل إليه وصفعه وهو في مهده. لقد كانت تلك هي آخر صفعة، حيث أدركت على الفور أنه لابد من وضع حل ناجح يمنع الأذى عن هذا الرضيع. فكرت بالأمر ملياً حتى اهتديت إلى فكرة سرعان ما حولتها إلى ميدان التطبيق، حيث جئت ببعض اللعب الجميلة والمأكولات الطيبة، ووضعتها في المهد عند طفلي الرضيع، ثم جئت بولدي الأكبر وأفهمته بالطريقة التي يفهمها الأطفال أن أخاه الصغير يحبه كثيراً وقد جاء له بهدايا حلوة وجميلة، ثم أمرته بأن يأخذها منه، فأخذها وهو فرح مسرور لا يخامره أدنى شك في ذلك. ومنذ ذلك اليوم لم أترك العملية هذه، حيث أوصيت زوجتي بأن تقدم أكثر الأشياء التي تريد تقديمها لوليدنا الأول أن تقدمها باسم الصغير وعبره، مثلما فعلت أنا في بادئ الأمر. وكل يوم كان يمضي كان ولدي الأكبر يزداد حباً لأخيه حتى وصل به الأمر إلى البكاء عليه فيما لو أخذه أحد الأصدقاء وقال له مازحاً إنني سأسرق أخاك منك !
كان ذلك بالنسبة للأطفال الصغار، بينما السؤال الآن: كيف نزرع الحب بين الأبناء الكبار؟
تستطيع أن تحقق ذلك عبر الطرق التالية:
الطريقة الأولى: ادفع أبناءك ليقدم كل واحد منهم هدية لكل أخ من إخوانه، سواء عبر إبلاغ كل واحد منهم بطريقة مباشرة أو عن طريق توجيههم إلى القيام بهذا العمل بطريقة غير مباشرة، أو من خلال الطريقتين معاً، وإن كنا نفضل الطريقة غير المباشرة.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( الهدية تورث المحبة ))، ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: (( الهدية تفتح الباب المصمت )).
الطريقة الثانية: ادفع أبناءك للتزاور والتواصل بينهم فإنه ليس هناك شيء يمتن العلاقة والحب بين الإخوان مثل الزيارة.
والجدير بك أن تعلمهم هذه الأحاديث الشريفة التالية حتى تدفعهم ذاتياً للقيام بالتزاور فيما بينهم:
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( من زار أخاه في بيته قال تعالى: أنت ضيفي وزائري وقد أوجبت لك الجنة لحبك إياه )).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (( ملاقاة الإخوان نشرة (تلقيح) العقل وإن كان نزراً قليلاً )).
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( مثل الأخوين إذا التقيا، مثل اليدين تغسل أحداهما الأخرى )).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (( إن من روح الله تعالى ثلاثة: التعبد في الليل، وإفطار الصائم، ولقاء الإخوان )).
الطريقة الثالثة: ادفعهم إلى المصالحة والمعانقة فيما بينهم.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (( إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه، فينظر الله إليهما والذنوب تحات عنهما حتى يفترقا، كما تحت الريح الشديد الورق من الشجرة )).
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( المصافحة تُذهب الغل )).
رابعاً ـ اقض على ا لظلم والحسد فيهم:
ابحث عن أسباب الشقاق وبواعث الحقد والخصام بين الأبناء ثم اقتلعها من الجذور وازرع مكانها رياحين المودة والإخاء.
ومن أسباب الخصام السيئة هي : الاعتداء والظلم والحسد.
فلو كان أبناؤك يعتدون على بعضهم البعض، ويمارسون الظلم وفي صدورهم يعشعش الغل والحسد، حينئذ فلا غرابة إذا لم تجد فيهم الحب والود والإخاء.
تُرى كيف يمكن أن يحب الصغير أخاه الكبير، وهو يقاسي من مرارة ظلمه وعدوانه.
إن وجدت الكثير من الأبناء يمارسون أقسى أنواع الظلم بحق إخوانهم وأخواتهم فهم يمارسون الضرب القاسي، ويسلبون حقوق الإخوان في الأكل والمنام والملبس وكل شيء.
وأحياناً كثيرة تجد أن الأخ الأكبر في العائلة يصبح مستبداً إلى آخر حد، يقوم بإحكام سيطرته الحديدية على أخواته مكسورات الجناح، وكأنه سلطان جائر.
هنا لا بد أن يتدخل الأب ويفك القيد ويرفع الظلم، وإلاّ فإن الأبناء ـ كلهم ـ سيصبحون على شاكلة أخيهم الكبير، لأن الأجواء الملتهبة تخلق من أفراد الأسرة وحوشاً ضارية، تضطر الكبير أن يستضعف الذين هم أصغر منه، وهكذا بالتسلسل حتى آخر طفل.
وهكذا الأمر تماماً بالنسبة للحسد، فالأبناء الذين ينامون على وسائد الحسد ويلتحفون بلحاف الحقد والضغينة، وتنمو في صدورهم أعشاب الغل، هؤلاء الأبناء يعيشون حياة ضنكا، لا تجد للمحبة أثراً فيها.
فالحسود بطبعه يبغض الآخرين، ويكنّ لهم الحقد والكراهية، ولربما تسوّل له نفسه القضاء على من يحسده، كما فعل قابيل بأخيه هابيل من قبل.
من هنا، فإذا ما كنت تريد أن يسود الحب والود بين أبنائك، فلا مناص من رفع أي بوادر سيئة مثل الظلم والحسد من بين أبنائك.. بل ولا بد أن تقتلها وهي في المهد قبل أن تترعرع وتكبر.
خامساً ـ اجعل الحوار والتفاهم وسيلة لحل المشكلات:
هنالك بعض الأبناء لا يعرفون طريقاً لحل المشكلات غير طريق المشاجرة والاشتباك الحاد، وكأنهم أعداء وليسوا إخواناً!
ترى.. لماذا لا ينتهجون سبيل الحوار الهادئ يينهم ؟
بالطبع إن السبب يرجع إلى الوالدين فهما المسؤولان عن خلق الأجواء والعادات والتقاليد في العائلة.
لذلك .. من المفترض أن لا ينسى الآباء تعليم أبنائهم عادة الحوار والتفاهم الرزين بدل أسلوب المناقشات العصبية والمشاجرات الصاخبة.
والمسألة لا تحتاج إلى فلسفة وتنظير، إذ يكفي لأحد الوالدين أن يستوقف أبناءه، في حالة حدوث أول صراع كلامي ويبدأ يحل لهم المشكلة بالتفاهم والسؤال الهادئ.
ونضرب مثالاً على ذلك : كثيراً ما يحدث أن يتشاجر طفلان على لعبة معينة، ويبدأ كل منهما يجر اللعبة. هنا على الأم أو الأب أن يسرع إلى ولديه، ويحاول أن يرضي أحد الطرفين بالتنازل، مثل أن يقول لهما: ليلعب كل واحد منكما بهذه اللعبة نصف ساعة.. واحداً بعد واحد.
وهكذا على أي حال فالمهم أن ينهي المسألة بالتفاهم وبمرور الزمن يتعلم الأولاد هذه العادة الحسنة في حل أي مشكلة تطرأ لهم، فيقضون بذلك على أي سبب للخصام قبل أن يفتح عينه للحياة.
سادسا ـ عرفهم حقوق الإخوان:
وهذه الحقوق يبيّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه التالي , حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقاً، لا براءة منها إلاّ بأدائها، أو العفو:
يغفر زلته ، ويرحم عبرته (إنّ من واجب الأخ تجاه أخيه أن يخفف عنه حزنه ويهون عليه رزيته)، ويستر عورته (إذا رأى بادرة سيئة من أخيه، أن يسترها ولا ينشرها)، ويقيل عثرته ( من صفات المؤمن، أن يمتلك قلباً كبيراً وصدراً رحباً يستوعب بها عثرات إخوانه)، ويرد غيبته،ويقبل معذرته... يقول الإمام عليّ (عليه السلام): (( اقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذر)) , ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعوده في مرضه، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويحسن جيرته، ويكافئ صلته، (فإن قدّم له خدمة فلابد أن لا ينساها حتى يقدم له خدمة مماثلة)، وأن يشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته (زوجته)، ويقضي حاجته، ويستنجح مسألته (أي يسعى لنجاح مسائله بأي شكل كانت وفي أي مجال)، ويسمت عطسته (فإذا عطس الأخ ـ أو أي أحد من الجالسين ـ لا بد أن يقول له الإنسان: (يرحمك الله) ويدعو له)، ويرشد ضالته، ويطيب كلامه (أي يقول له : طيّب الله أنفاسك)، ويوالي وليه (أي يصادق صديقه)، ولا يعاديه (لا يصبح عدواً لصديق أخيه)، وينصره ظالماً ومظلوماً (فأما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه)، ولا يسلمه (لا يتركه فريسة عند العدو، ولا يتجاهله عند الخطر)، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه)).
بعد أن يكون أبناؤك قد تعلموا هذه الحقوق وأدّوها تجاه أخوانهم ـ حينئذ ـ لا تخشَ على نور الحب أن ينطفئ بينهم ، بل وكن على أمل كبير من ازدياد شعلة الحب والمودة بصورة مستمرة ودائمة.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك / ج2/ ص626.
(2) بحار الأنوار/ ج104/ ص93.